بدعوة من السيد اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، توجهت إلى شرم الشيخ، بصحبة العالم القدير الدكتور مفيد شهاب، للمشاركة في لقاء ثقافي مع شباب وأهل المحافظة، في احتفالاتها بعودة آخر حبة من تراب مصر، يوم تم رفع العلم المصري فوق طابا.
كانت تلك أولى زياراتي لشرم الشيخ منذ تفشي وباء كورونا، الذي أصاب العالم بحالة ثبات طويلة، فسعدت بأن تكون أولى سفرياتي إلى تلك المدينة الجميلة، التي تشهد تطويراً بجميع أركانها، يجعلها، وبكل فخر، من أجمل المدن، ليس في مصر، فقط، ولكن أقول في العالم كله. فقد تم إنشاء طريق دائري، جديد، يحقق لها السيولة المرورية، وزادت مساحات الرقعة الخضراء بها، مع العناية والاهتمام بما كان مزروعاً من قبل، لتبدو المدينة في حلة زاهية، تليق باسم مصر. والحقيقة أن الإدارة المتميزة للأخ المحافظ اللواء خالد فودة، مثالاً يحتذى به في الإدارة المصرية الناجحة، ولولا قلة نسب الإشغال بالفنادق والمنتجعات السياحية، نتيجة لأحداث الحرب الروسية الأوكرانية لاكتملت سعادتي بالمدينة، لتبلغ عنان السماء.
أما المفاجأة الثانية، فكانت جامعة الملك سليمان، بمدينة شرم الشيخ، التي يستحق مصممها المعماري جائزة عن تميزه في تصميم بناء حديث، يتماشى مع الطابع العام للمدينة الساحرة، ويتكامل معها، مضيفاً لها لمسة جمالية أخرى. تلك الجامعة التي أقيمت تلبية لاحتياجات أهالي جنوب سيناء، الذين حرموا، لعقود طويلة، من خدمات التعليم العالي، حتى جاءت تلك الجامعة لتستقبل كل أبناء سيناء، ولتخدم ثلاثة مدن، مباشرة، وهم شرم الشيخ، والطور، ورأس سدر، وتشمل ضمن مجموع كلياتها الحديثة، كليات السياحة، وطب الأسنان، والطب التي أمر السيد الرئيس السيسي بضرورة تواجدها باعتبارها مطالب أهالي جنوب سيناء. ولما سألت الأستاذ الدكتور أشرف حسين، رئيس الجامعة، عن توزيع العاملين بالجامعة، أكد أن نسبة 90% من الإداريين من أبناء جنوب سيناء، أما أعضاء هيئة التدريس فسيكونون من أبناء المحافظة، في غضون سنوات قليلة، فور بدء تخريج الدفعات من الجامعة، بإذن الله.
وبدأنا الاحتفال في قاعة الجامعة، وتناولت في محاضرتي، لشباب جنوب سيناء، وأبناء مدينة شرم الشيخ، توضيحاً للتهديدات التي تحاصر مصرنا العزيزة، حالياً، من كل الاتجاهات الاستراتيجية، واستعرضت كذلك ملامح خطة الدولة للنهوض بالمواطن المصري. كما أكدت على مستقبل الغاز المصري، في البحر المتوسط، وكيف أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في خلال البحث عن حلول لكيلا تصبح أوروبا رهينة للغاز الروسي، أشار بضرورة البحث عن الغاز الطبيعي، في منطقة شرق المتوسط، عاقداً الأمل على مخزون الغاز الطبيعي، في السواحل المصرية، كأحد أهم وسائل تغطية المطالب الأوروبية. وفي هذا الصدد، أوضحت بُعد نظر الرئيس السيسي، في قرارات تعزيز ورفع القدرات العسكرية لمصر، وخاصة القوات البحرية، لتكون قادرة على حماية استثمارات الغاز في البحر المتوسط، ضارباً المثل بما حدث في لبنان، من استيلاء إسرائيل على البلوك رقم “9”، من المياه اللبنانية، لاستغلاله في تصدير الغاز الطبيعي، وعجز لبنان عن حماية مياهها الإقليمية وحدودها المائية والاقتصادية.
ثم عرضت خريطة المنطقة، بعد حرب 67، التي فقدت مصر، فيها، سيناء بالكامل، وفقدت سوريا هضبة الجولان، بينما فقدت الأردن الضفة الغربية، تلاها خريطة للوضع الحالي، توضح كيف أن مصر هي الدولة، الوحيدة، التي استعادت أراضيها بالكامل، من خلال أربع معارك، عسكرية ودبلوماسية، أولها حرب 73، التي انتصر فيها الجيش المصري، نصراً مبيناً، بعدما اقتحم قناة السويس، ودمر خط بارليف الإسرائيلي، أما المعركة الثانية، بمبادرة الرئيس السادات لاستكمال استعادة أرض سيناء، من خلال معاهدة كامب ديفيد، وجاءت المعركة الثالثة، وهي معركة قانونية اشترك فيها الدكتور مفيد شهاب ومعه رجال مصر الأجلاء من القانونيين، ونجحوا في استعادة آخر شبر من تراب مصر، في منطقة طابا.
أما المعركة الرابعة، فكانت في العام الحالي، عندما استعاد الرئيس السيسي سيطرة القوات المسلحة المصرية على القطاع “ج”، بعدما كانت بنود الاتفاقية الأمنية، بين مصر وإسرائيل، عام 1979، تتيح للقوات المسلحة المصرية التواجد في المنطقة “أ” في سيناء، أما المنطقة “ب” فخصصت لتواجد قوات الأمن المركزي وحرس الحدود المصري، بينما نصت الاتفاقية على عدم جواز تواجد القوات العسكرية المصرية، في المنطقة الثالثة “ج”، إلا بعد التنسيق مع إسرائيل، فنتج عن مقابلة الرئيس السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، مؤخراً، في شرم الشيخ، الاتفاق على عودة سيطرة القوات المسلحة المصرية على المنطقة “ج”. وهكذا استعادت مصر كافة أراضيها، وحق السيطرة عليها، بينما لا تزال الجولان السورية محتلة بالكامل من إسرائيل، التي أعلنت ضمها لدولتها، ومازالت الضفة الغربية بالأردن تحت السيادة الإسرائيلية.
بعد ذلك عرض الدكتور مفيد شهاب بعض من جوانب المعركة القانونية لاستعادة طابا، وجهود الوفد المصري لتحقيق تلك الغاية، وإثبات أحقية مصر القانونية، والتاريخية، في أراضيها، وبالذات منطقة طابا، والتي كان منها سفر عدد من أعضاءه إلى إسطنبول لتتبع الخرائط والوثائق، منذ زمن الإمبراطورية العثمانية، وإلى لندن للحصول على خرائط فلسطين خلال حكم الانتداب البريطاني … لقد كان الطريق إلى طابا، طويلاً، وشاقاً، ومحفوفاً بمحاولات عدة لتزييف الحقائق، ولكن أبناء مصر المخلصين، هانت عليهم الصعاب، وتمكنوا من خلال أربعة معارك، من الحفاظ على كل ذرة رمل من أراضيها … فتلك هي العقيدة، يا سادة، التي نشأنا وربينا عليها … لتحيا مصر حرة كريمة .