ومما وجدناه مخالفاً لما عُرض من تنظيرات في هذا الصدد ما قاله الناقد كارلوني : ( إن الخصومة بين القدماء والمحدثين التي انفجرت عام ١٦٨٧م هو حدث مهم لا في تاريخ الأدب فحسب بل في تاريخ النقد . ونجد ذلك في الأحكام المتناقضة التي أصدرها أنصار كل فريق من الفريقين… ) ففي حجج أنصار المحدثين حمل عليهم أفكارهم التي تحمل بذور تقير النقد . عماً بأن النظريّة الحديثة تستند إلى فكرة التقدم وعموميّة العقل . ومضى موضّحا بعضاً من أُسس الفريقين : ( إننا متفقون على الأقدمين أننا أتينا بعدهم وأن الفكر الإنساني في تقدم مستمر وكذلك فإن الطرق الفنيّة التي تستند عليها في تحسن مستمر – إن الذوق متغيّر وتعسفي ، ويجب ألاّ نأخذ نزواته بعين الإعتبار ، بل بالعكس يجب أن نصغي إلى صوت العقل الذي هو عام مطلق ، فالعقل يرن أذن القدماء ، وإن أولى هذه الأفكار تشكل منطلقاً سينتهي مع الزمن بأن يغيّر النقد …) . ونقول : هذا لم ولن يتحقق ؛ لأن بعد أن تقدم العصر أصبح هذا اللون من الأدب له مكانة في نفوس الناس ، وله رواده وقواعده التي ينبي عليها ، ومدارسه وفنونه . يقول الناقد ر.م ألبيرس : ( بين عام ١٩٠٠ و ١٩٥٦ م تغيرت الحساسيّة الأدبيّة فقد طرأ تبدل عميق على الإستعداد العقلي للقارئ والكاتب ، وعلى حاجتهما ومشاربهما . بل أن الإنقلاب شمل موضوع الأدب وقصده وهدفه العالم . ) إذاً فالأدب وفكرته والتي نستعملها ونلبسها الواقع الأدبي يتكيف بشكل سيئ مع الحاضر ، وهي فكرة ولدت في القرن الثامن عشر تحت وطأة الظروف التي كانت مسيطرة وقتذاك ، وهي وصول البرجوازيّة إلى الثقافة الأدبيّة ، وتضيع المكتبة . فظهر الأديب الممتهن . وهذه الفكرة عند الإقتضاء يمكنها أن تعطي صورة مفهومة – وإن كانت مشوهة نوعاً ما – عن الأجيال السابقة . لكنها تعجز شيئاً فشيئاً أن تحصر الحاضر إلاّ في حدود ضيّقة جدا…
* النقد الأدبي – كارلوني و فيللو – ط ثانية ١٩٨٤ م * الإتجاهات الأدبية الحديثة – ر.م ألبيرس – ط ثالثة ١٩٨٣ م