بعيدا عن الانسياق وراء بالونات التفاؤل أو كبسولات التشاؤم التى تحيط بأجواء الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للعاصمة الألمانية برلين تلبية لدعوة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل هناك إحساس عام يجمع بين المتفائلين والمتشائمين هو أن خطورة التحديات التى يفرضها ملف مكافحة الإرهاب وتضطلع فيه مصر بدور يصعب على أحد المزايدة عليه سوف تفرض إيقاعها الجاد على مناقشات القمة الألمانية المصرية وبالتالى سوف تدفع البلدين خصوصا ألمانيا إلى حتمية تقدير المسئولية التاريخية والتعامل مع هذا الملف الشائك والحساس بجدية تتجاوز أى صغائر وأى حساسيات سبق لها أن عكرت صفو العلاقة بين القاهرة وبرلين ولقد أصر الرئيس السيسى على تلبية الدعوة فى الوقت المحدد لها لقطع الطريق على أولئك الذين راهنوا على تعامل انفعالى من جانب مصر ردا على بعض التجاوزات الإعلامية والحزبية فى برلين وبذلك أثبت السيسى انتصاره للحكمة والعقلانية فى التعاطى مع مثل هذه الصغائر المدبرة لتكون هذه الزيارة بمنزلة نقطة تحول مهمة فى أسلوب المواجهة السياسية الرشيدة لمجمل التحديات الراهنة التى تواجه مصر على طريق تصحيح بعض الصور الخاطئة فى الذهنية الأوروبية لما يجرى على أرض مصر منذ ثورة 30 يونيو لاجتثاث جذور الإرهاب وبناء دولة عصرية تنفتح على العالم بعيدا عن أى حسابات سياسية أو دينية أو جغرافية وأيضا فقد أراد الرئيس السيسى بالإصرار على تلبية دعوة الزيارة أن يؤكد عمق وصدق الإيمان المصرى بأن الاتصال والحوار منهجية استراتيجية ثابتة لدى مصر التى ترى ذلك أمرا ضروريا ولا غنى عنه مهما تكن تحفظاتنا على العديد من شواهد المواقف فى هذه الدولة أو تلك وقد يكون ضروريا وبكل الوضوح أن أقول إن الركيزة الأساسية لأى تحرك مصرى فى الساحة الدولية ينبغى أن يكون تحركا مبنيا على القراءة الدقيقة والصحيحة لواقع العصر ومفرداته حيث ان لغة المصالح المشتركة والمتبادلة هى ركيزة أى موقف سياسى لمصر الجديدة ولكن أوروبا لها اهمية كبرى في جغرافيا الغرب وقبل هذا فأن دورها في الاتحاد الاوربى يسبق كل الحسابات ومن هنا تأتى اهمية زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى ولقاؤه مع المستشارة الالمانية ميركل لان هناك جوانب كثيرة يمكن ان نتوقف عندها حول الزيارة ان جماعة الإخوان المسلمين لها تأثير في مواقع كثيرة في المانيا خاصة الإعلام ويرجع ذلك إلى وجود جالية اسلامية كبيرة في المانيا خاصة من المسلمين الأتراك وهناك تداخل سكانى كبير بين الشعب الالمانى والاتراك منذ الدولة العثمانية كما ان المانيا كانت دائما ترى تركيا نموذجا اسلاميا مقبولا حتى وان رفضت وجوده في الاتحاد الاوروبى ولا شك فى ان الخلاف سوف يبقى زمنا طويلا حول ما حدث في مصر مع ثورة يونيو وتولى الرئيس السيسى حكم البلاد تحقيقا لطلب الشعب المصرى وقد اجهض محاولة خطيرة لتقسيم العالم العربى تحت رعاية امريكية غربية وقد كانت تركيا ومازالت شريكا في هذه المؤامرة وان الغرب لم ينس لمصر مهما قدمت انها أوقفت مشروع التقسيم في العالم العربى وان شواهد هذه المؤامرة مازالت تكمل مسيرتها في العراق وسوريا واليمن وليبيا وكان ظهور داعش من اخطر الشواهد في هذه الاحداث من هنا تأتى زيارة الرئيس السيسى لالمانيا خاصة ان مصر لا تريد الآن دعما سياسيا من احد ولكنها جادة في الدخول في شراكة اقتصادية تقوم على المصالح المتبادلة وان الرئيس السيسى لا يسعى لدعم سياسى من المانيا فقد تجاوزنا هذه المرحلة ولا يريد دعما في معركته ضد الإرهاب لأن العالم يدرك الآن حجم المخاطر التى تتعرض لها مصر ولكن الهدف من هذه الزيارة هو ان تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر وأوروبا تطورا جديدا لكى نضع الاقتصاد المصرى على مساره الصحيح وكانت زيارات المسئولين المصريين في الماضى للدعاية والصور ولم تحقق شيئا لهذا الشعب والمطلوب ان تكون هناك مصالح متبادلة يشعر بها المواطن المصرى وهذا ما تسعى اليه زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لالمانيا وغيرها ثم ان الرئيس السيسى فى ألمانيا ولكن بصورة مختلفة تماما عن التى ظهر بها الرئيس الأسبق محمد مرسى فى يناير 2013 و كسفنا جميعا عندما عقد مؤتمرا صحفيا مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل وفى اثناء المؤتمر وأمام كاميرات التليفزيون وممثلى الإعلام وميركل تجيب على أحد الأسئلة، رفع مرسى ذراعه اليسرى إلى قرب عينيه ليرى بوضوح توقيت ساعة يده بطريقة جعلت ميركل تنظر اليه باستغراب فلم يسبق أن فعل حاكم فى مؤتمر صحفى عالمى مافعله مرسى ! ولكن يذهب الرئيس عبد الفتاح السيسى الى المانيا فى زيارة أحاطت بها بعض الالتباسات بسبب التصريحات غير اللائقة التى أدلى بها رئيس البرلمان الألمانى (البوندستاج) والتى انتقد فيها محاكمة مرسى أمام القضاء المصرى معلنا أنه لن يلتقى الرئيس السيسى خلال زيارته لالمانيا . وقد أثارت تصريحات رئيس البوندستاج غضب الكثيرين الذين اقترح بعضهم إلغاء الزيارة أو على الأقل تأجيلها إلا أن الرد جاء سريعا وفوريا من مستشارة ألمانيا القوية التى أعلن المتحدث باسمها أن دعوة الرئيس السيسى لالمانيا قائمة وفى موعدها المحدد وهو مااعتبر رسالة واضحة من القيادة الالمانية الاكبر بتجاهل تصريحات رئيس البرلمان وهذه ملاحظة أخرى لم يؤيده فيها أحد بل على العكس جاءت ترحيبات عمدة برلين ورؤساء الشركات الألمانية الكبرى بالرئيس المصرى كما لو كانت ردا على رئيس البوندستاج وربما لو كانت الأمور تقاس بردود الأفعال العاطفية لجاء الرد بإلغاء الزيارة التى جاءت دعوة الرئيس السيسى إليها فى أثناء انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى وأعقبها ترتيبات جادة بعدد من المشروعات التى سيتم توقيعها خلال الزيارة وتحقق شراكة قوية بين مصر وألمانيا التى تمثل قلب أوروبا الاقتصادية والصناعية فى ألمانيا وفى مصر كانت المصلحة المشتركة للبلدين أكبر كثيرا وربما بسبب هذا التصرف العابر الذى تعرضت له الزيارة أتوقع أن تكون نتائجها أكبر من ثلاثة أحمق لايفهمها وجاهل يكرهها وغبى يتجاهلها !