الاسلاميات

السيرو النبوية فى ضوء القران والسنة ج34 بقلم الشيخ موسى الهلالى

احجز مساحتك الاعلانية

9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
11- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب…. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم «1» .
وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة ورئيسها- إن صح هذ التعبير- رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين، وبذلك أصبحت المدينة عاصمة حقيقية للإسلام.
ولتوسيع منطقة الأمن والسلام عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قبائل أخرى في المستقبل بمثل هذه المعاهدة، حسب الظروف، وسيأتي ذكرها.
__________
(1) انظر ابن هشام 1/ 503، 504.
(1/174)

الكفاح الدامي

استفزازات قريش ضد المسلمين بعد الهجرة واتصالهم بعبد الله بن أبي:
قد أسلفنا ما كان يأتي به كفار مكة من التنكيلات والويلات ضد المسلمين، وما فعلوا بهم عند الهجرة، مما استحقوا لأجلها المصادرة والقتال، إلا أنهم لم يكونوا ليفيقوا من غيهم، ويمتنعوا عن عدوانهم، بل زادهم غيظا أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمنا ومقرا بالمدينة، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول، وكان إذا ذاك مشركا بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة- فمعلوم أنهم كانوا مجتمعين عليه، وكادوا يجعلونه ملكا على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به- كتبوا إليه وإلى أصحابه المشركين يقولون لهم في كلمات باتة:
إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم «1» .
وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة- وقد كان يحقد على النبي صلى الله عليه وسلم، لما يراه أنه استلبه ملكه- يقول عبد الرحمن بن كعب: فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم، فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا «2» .
امتنع عبد الله بن أبي بن سلول عن إرادة القتال عند ذاك، لما رأى خورا أو رشدا في أصحابه، ولكن يبدو أنه كان متواطئا مع قريش، فكان لا يجد فرصة إلا وينتهزها لإيقاع الشر بين المسلمين والمشركين، وكان يضم معه اليهود، ليعينوه على ذلك، ولكن تلك هي حكمة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت تطفئ نار شرهم حينا بعد حين «3» .
__________
(1) أبو داود باب خبر النضير.
(2) أبو داود باب خبر النضير.
(3) انظر في هذا الصدد صحيح البخاري 2/ 655، 656، 916، 924.
(1/175)

إعلان عزيمة الصد عن المسجد الحرام
ثم إن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمرا، فنزل على أمية بن خلف بمكة، فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبا من لقف النهار، فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما، فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك على أهل المدينة «1» .

قريش تهدد المهاجرين
ثم إن قريشا أرسلت إلى المسلمين تقول لهم: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم «2» .
ولم يكن هذا كله وعيدا مجردا، فقد تأكد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكيد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهرا، أو في حرس من الصحابة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة ليلة، فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة، قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام «3» .
ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمرا مستمرا، فقد روي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلا، حتى نزل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: «يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل «4» » .
ولم يكن الخطر مقتصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على المسلمين كافة، فقد روى
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب المغازي 2/ 563.
(2) رحمة للعالمين 1/ 116.
(3) مسلم باب فضل سعد بن أبي وقاص 2/ 280 واللفظ له، وصحيح البخاري- باب الحراسة في الغزو في سبيل الله 1/ 404.
(4) جامع الترمذي أبواب التفسير 2/ 130.
(1/176)

أبيّ بن كعب، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه.

الإذن بالقتال
في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة، والتي كانت تنبئ عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم، ولا يمتنعون عن تمردهم بحال، أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين، ولم يفرضه عليهم قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39] .
وأنزل هذه الآية ضمن آيات أرشدتهم إلى أن هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل، وإقامة شعائر الله، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج: 41] .
والصحيح الذي لا مندوحة عنه أن هذا الإذن إنما نزل بالمدينة بعد الهجرة، لا بمكة، ولكن لا يمكن لنا القطع بتحديد ميعاد النزول.
نزل الإذن بالقتال، ولكن كان من الحكمة إزاء هذه الظروف- التي مبعثها الوحيد هو قوة قريش وتمردها- أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسط هذه السيطرة خطتين:
الأولى: عقد معاهدات الحلف أو عدم الإعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة، وقد أسلفنا معاهدته- صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، وكذلك كان عقد معاهدة الحلف أو عدم الإعتداء مع جهينة قبل الأخذ في النشاط العسكري، وكانت مساكنهم على ثلاثة مراحل من المدينة، وقد عقد معاهدات أثناء دورياته العسكرية وسيأتي ذكرها.
الثانية: إرسال البعوث واحدة تلو الآخرى إلى هذا الطريق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى