الاسلاميات

السيرة النبوية فى ضوء القران والسنة ج11 بقلم الشيخ موسى الهلالى

الحالة الأخلاقية عند العرب

مثالب العرب
كان للعرب في جاهليتهم بعض الأخلاق المرذولة كالعنجهيّة، والعصبية، والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا، ومما ينبغي أن يعلم أن الزنا إنما كان في الإماء وأصحاب الرايات من البغايا، ويندر أن يكون في الحرائر، وليس أدل على هذا من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أخذ البيعة على النساء بعد الفتح «على ألايشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين» قالت السيدة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: أو تزني الحرة؟!!
وكانوا يزاولون ألوانا من اللهو، واللعب، والمجون، والشطارة «1» ، والقمار، وهو الميسر، إلى غير ذلك، وليس معنى هذا أنهم كانوا كلهم على هذا، لا، لقد كان فيهم كثيرون لا يزنون، ولا يشربون الخمر، ولا يسفكون الدماء؛ ولا يظلمون، ويتحرجون من أكل أموال اليتامى، ويتنزهون عن التعامل بالربا.

فضائل العرب
ولكنهم- والحق يقال- كانوا ذوي فضائل وأخلاق كريمة متأصلة فيهم، بل الرأي عندي أن فضائلهم أكثر من مثالبهم، ولهذا اختار الله خاتم أنبيائه

ورسله منهم، واستأهلوا أن يكونوا حملة الرسالة المحمدية الخالدة وتبليغها للعالم كافة، فمن فضائلهم:

1- حب الحرية، وإباء الضيم والذل
والعربي بفطرته يعشق الحرية يحيا لها، ويموت من أجلها، فقد نشأ طليقا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلا، أو أن ينال في شرفه، وعرضه ولو كلّفه ذلك حياته.

2- الشجاعة
فقد كانوا مضرب الأمثال فيها، وقد كان الواحد منهم يقابل الأسد في الصحراء فينازله حتى يقهره، وبعضهم لم يعرف الفرار ولا الهزيمة قط، وقد كان لهذه الفضيلة وزنها حينما جاء الإسلام، وفرض عليهم الجهاد.

3- الكرم
وهو خلق متأصل في العرب، ولا سيما أهل البادية وقد كان الواحد منهم لا يكون عنده إلا فرسه، أو ناقته، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى ذبحها، أو نحرها له، وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان بل كان يطعم الوحش، والطير، وكرم حاتم الطائي سارت به الركبان، وضربت به الأمثال.

4- المروءة والنجدة
والعربي بفطرته ذو مروءة فهو يأبى أن ينتهز ضعف الضعيف، وعجز العاجز كالمرأة، والشيخ، والمريض، وهو ذو شهامة إذا استنجد به أحد أنجده، ويرى من النذلة التخلّي عنه.

5- الوفاء بالعهد
وهو من صفات العرب المشهورة، وقصة السموأل بن عادياء في الوفاء مشهورة، فقد ضحّى بابنه، ولم يقبل أن يخون العهد بتسليم الأدرع التي أودعت عنده، ومن أمثلة ذلك أيضا أنه لما ظفر الحارث بن عبّاد بقاتل ابنه، وهو المهلهل بن ربيعة في حرب البسوس، وهو لا يعرفه قال له: إذا دللتك على
المهلهل تطلقني؟ قال له: نعم، فقال له: أنا مهلهل، فاكتفى بأن جزّ ناصيته وتركه، ولم يقبل أن يخلف وعده.

6- العفو عند المقدرة
وقد كان الواحد منهم ينازل خصمه، وقرنه، حتى إذا أمكنه الله منه، عفا عنه وتركه، بل كان يأبى أن يجهز على جريح.

7- حماية الجار وإجارة المستجير
وكانوا إذا استجار بالواحد منهم مستجير أجاره، وربما ضحّى بنفسه وولده في سبيل إجارته، كما كانوا يرعون حقوق الجار، ولا سيما رعاية حرمه، والمحافظة على عرضه، قال شاعرهم:
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي … حتى يواري جارتي مأواها

8- القناعة والرضا باليسير
ومن أخلاق العرب القناعة، وهي الرضا باليسير، ولعل طبيعة البلاد هي التي فطرتهم على هذا، فقد كان الواحد منهم يسير الأيام مكتفيا بتمرات يقيم بها صلبه، ورشفات من ماء يرطب بها كبده، وقلة تكاليف الحياة جعلتهم يكتفون بالقليل قال قائلهم:
إذا لم تكن إبل فمعزى … كأن قرون جلتها «1» العصيّ
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا … وحسبك من غنى شبع وريّ

9- قوة الروح، وعظمة النفس
والعربي يمتاز إلى شجاعته البدنية، بقوة الروح وعظمة النفس، وإذا اجتمعت البطولة النفسية إلى البطولة الجسمانية صنعتا العجائب. وهذا ما حدث بعد تشرفهم بالإسلام، وتواحدهم تحت لوائه فإنهم لم يهابوا الفرس ولا الروم على كثرة عددهم وعددهم، وكان لهم معهم في حروبهم مواقف مشهورة.

10- الصبر على المكاره وقوة الاحتمال
ولعلهم اكتسبوا ذلك الخلق من طبيعة بلادهم الصحراوية الجافة، قليلة الزرع والماء، فألفوا اقتحام الجبال الوعرة، والسير في حرّ الظهيرة، ومرنوا على الحر والبرد، ولهذا لما دخلوا في الإسلام بعد ضربوا في الصبر وقوة الاحتمال مثلا لم تعرف لغيرهم، ولم يؤثر فيهم الحر، والبرد، ولا وعورة الطريق، ولا بعد المسافة، ولا الجوع، ولا الظمأ حينما كلفوا بالجهاد.
هذه الفضائل وغيرها كانت رصيدا مدخرا في نفوس العرب حتى جاء الإسلام فنماها وقواها، ووجهها وجهة الحق والخير، فلا عجب إذا كانوا انطلقوا من شبه جزيرتهم كما ينطلق الملائكة الأطهار، ففتحوا الأرض، وملأوها إيمانا بعد أن ملئت كفرا، وعدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، وفضائل بعد أن عمتها الرذائل، وخيرا بعد أنه طفحت شرا، وتحققت سنة الله تعالى لهم حيث قال:
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) «1» .
الهوامش
(1) اتباع وسائل الخبث واللؤم، كمغازلة النساء، ومعاكسة الإماء، والتعرض لهن بالليل، وتصنع البطولة.
(1) المسن منها.
(1) الاية 5 من سورة القصص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى