إن ظاهرة التطرف في الآونة الاخيرة من هذا القرن شغلت حيزا كبيرا من إهتمام الكتاب والمهتمين بالشئون الاسلامية والباحثين وحتى المحللين السياسيين وذلك لأنها برزت بشكل ظاهر جدا بالاضافة الى خطورة آثارها على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسة والاقتصادية . تبذل جميع الحكومات شرقا وغربا جهودا جبارة لتطويق الآثار السلبية لظاهرة العنف الا أنه ما زال يجد الارض الخصبة لنموه وإمتداده وحتى بروز تنظيرات فكرية خاطئة تؤطر له . ومن أهم الأسباب المؤدية الى سلوكيات التطرّف البغيضة ما يلي : * شعور شرائح من المواطنين بالظلم الاجتماعي والسياسي ولهذا يختارون سبيل التطرف الذي يتبعه العنف كوسيلة لتصويب الأخطاء السياسية والاجتماعية والاقتصادية وخاصة عندما يحرمون من حقوقهم المدنية او أرضهم او حتى من أبسط الخدمات المجتمعية لهم كمواطنين . * المناهج التربوية الضيقة المفاهيم والتي هي أصلا أداة التقويم والتكوين وإصلاح السلوك الفردي للمواطن ، ولا اقصد المناهج المدرسية فقط بل منهاج التربية في البيت والشارع ومؤسسات الدولة الذي يجب أن يركز على تشذيب السلوك الفردي والانساني الشاذ وغرس التوازن في الطبائع والسلوكيات العامة والخاصة . * الضغوطات الاجتماعية والإقتصادية من طرف الدولة او كيان ما والتي تُولّد الإحتقان في النفوس والغضب مما يُفرز سلوكيات خاطئة ومتطرفة . * البطالة وخاصة بين الشباب المؤهل مما يؤدي الى إحباطات عائلية ونفسية وإقتصادية ولهذا يزداد التطرّف والعنف في المجتمعات التي تكثر فيها البطالة ، وكلما تقدمت التكنولوجيا وأصبحت الآلة تُستخدم بدلا من البشر في العمل إزداد عدد العاطلين حتى من ذوي المؤهلات الجامعية ، وليس من السهل أيجاد حلول سريعة لأزمة البطالة التي تعصف خاصة في المجتمعات الاسلامية لانها أصلا تُعاني من أزمات مستعصية في مجالات التنمية والتشغيل . إن التنمية الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي المثمر هما الوسيلة التي تُوفر ظروف العمل المريح لقطاعات كثيرة من الشباب . * التربية الدينية السليمة التي تُعتبر الطريق السليم المؤدي للاستقرار النفسي والاستقامة السلوكية والى نبذ التطرّف والعنف والى تعميق قيم التعايش الإنساني المجتمعي . لم يكن التطرف في يوم من الأيام نتاجا للتربية الدينية السليمة ولا يمكن ان يوصف الاسلام بأنه يحث الأفراد على التطرف والعنف لانه من المفروض أن يُغذي قيم الخير ويُرسخ دعائم الفضيلة في النفوس . إن أشد ما أُبتليت به أمة الاسلام قضية التطرف والعنف التي عصفت كرياح عاتية بأذهان البسطاء والجهال من أبناء هذه الأمة ، بل وجذبت أهل الاهواء الذين زاغت قلوبهم وعقولهم عن إتباع منهج الله ، المنهج الإلهي المستقيم فكانت النتيجة أن وقع الاختلاف والخلاف وأصبحنا فرقا متناحرة متخاصمة همها الأوحد إجبار الاخر منا على إعتناق وتبني الآراء والتفسيرات الدينية الخاطئة بأية وسيلة حتى ولو بسفك دماء الأبرياء المدنيين والتخريب والإفساد والفساد .خُلق التطرف من الفكر المتطرف الخاطيء لان البعد عن شريعة الله هو سبب الضلال والعمى والشقاء الذي تُعاني منه البلاد الإسلامية لأننا نطبق المعايير الوضعية التي وضعها البشر وإبتعدنا عن الإلتزام بشريعة الله والتي آساسها العدل والمساواة . أليس كل هذا من أسباب الشقاء والتطرف وحتى الاٍرهاب !!!! في السنوات القليلة الماضية أصبح التطرف الديني أهم ما يشغل الرأي العام في البلدان الإسلامية وفي الغرب بوجه عام لانه بات المهدد الرئيسي للسلم والأمن والتعايش الإنساني في المجتمعات . يقود التطرف الديني الى العنف والإرهاب الذي يحصد الأرواح البريئة من المدنيين والممتلكات وحتى البنى التحتية كما هو حاصل الان في سوريا والعراق واليمن وليبيا . يُقال ان الكثير من الشباب الذين ينضمون للجماعات المتطرفة الإرهابية مُغرر بهم ، هذا جانب من الحقيقة ولكن الحقيقة الكاملة هي ان البترودولار هو الذي يحركهم نتيجة البطالة وقسوة لقمة العيش والتنظير الديني الخاطيء الذي يُصب في عقولهم ونفوسهم صبا . هل يعلم هؤلاء المتطرفون أن ضحاياهم من الأبرياء المسلمين تفوق عشرات المرات ضحاياهم من غير المسلمين ؟ الا يعلم هؤلاء المغرر بهم والذين يقاتلون في سوريا والعراق انهم سبب تشويه صورة الاسلام في الغرب ؟ وما التطرف والعنف والارهاب الا الشقاء والبؤس والضلال بعينه ! لا يستطيع أحد منا ان ينكر ان التطرف في الغرب نبت من العنصرية الملحوظة ضد العرب والمسلمين ومن تضييق الخناق على الأقليات الاسلامية في حقوق العمل ومن سياسة التهميش والتجاهل لبعض الحقوق المشروعة لهذه الأقليات مما يزيد الاحتقان في النفوس لديهم .