بقلم : محمد عادل حبيب عبارة تتناولها ألسنتنا كثيرا في كل الأجيال حينما نصف زمنا مضى من حياتنا مقارنة مغ واقع نعيشه نراه أقل جمالا مما مضى . وهذا الوصف بقدر مافيه من مشاعر الوفاء الجميلة إلا أنه بعبر من جهة أخرى عن اهتمام بالماضي والتاريخ وإهمال للحاضر الذي سيكون جميلا أيضا -وربما أكثر جمالا – حينما تمر عليه بعض السنوات لصبح ماضيا ،
وكثرة الاهتمام بالماضي ربما تعيق إمكانية النظر إلى المستقبل لاستشراف مظاهر الجمال التي نريدها وغرس أشجار لهذه المظاهر يقطف أبناؤنا ثمارها في المستقبل بدلا من أن نعيش أسرى الماضي حتى وإن كان جميلا ، إن لكل لحظة في حياتنا جمالا من نوع خاص لا يستطيع استشغارها إلا من يعطي لكل من الماضي والحاضر والمستقبل نفس الاهتمام لأن لها جميعا نفس الأهمية في حياتنا .
إن ارتباط الماضي بالجمال يرجع سببه لذكريات عشناها وفارقتنا ولم يعد ممكنا استعادتها إلا في خيالنا . والخيال لا يبني حاضرا ولا يؤسس لمستقبل ، والأمم التي تعيش ماضيها فقط تفقد التواصل مع حركة الحياة فتتحول إلى حالة من الموت الإكلينيكي ، بينما تتقدم الأمم التي تدرس ماضيها بهدف اجترار العبر منه والتأسيس على الصالح منها لبناء حاضر مشرف والإعداد لمستقبل واعد يحقق لأبنائنا الحياة التي نرجوها لهم بفضل الله .
إن عجلة الزمن تدور باستمرار مما يجعل سمات الحياة تتغير دائما ، ومعها تتغير أفهامنا ورؤيتنا للأشياء ، وهذا ما يجعلنا نشعر بالفوارق بين الأزمنة ، فإذا أدرنا عجلة زماننا للأمام إيجكانت التغيرات إيجابية وكان تبدل رؤانا إلى الأفضل وراقت لنا حياتنا دون أن نغفل عن جمال الماضي ،
وإذا كان تغيرات حياتنا سلبية بمعنى أن نجمد في مكاننا أو نتقهقر إلى الوراء انعكس ذلك على رؤانا أيضا فنبقى أسرى الماضي والتاريخ ، ندور في فلكه عاجزين عن التحرك إلى الأمام إن الماضي يصبح أكثر جمالا حين يحقق حاضرا أو مستقبلا مرغوبا ، فالطالب الذي اجتهد في مذاكرته على ضوء مصباح الكيروسين يشعر بحب وإعزاز لهذا المصباح حينما يصبخ في مكانة مرموقة ، بينما يسب القاشل ويلعن أيام هذا المصباح وفقره وبينهما بالطبع طبقات أخرى . وحياتنا كلها بحلوها ومرها ستشعر بلذة سعيك فيها إذا انتهت بك إلى الجنة ،
وسيكون لك منها موقف آخر إذا أدت – لا قدر الله – لشئ آخر . إنما تقاس الأمور بنتائجها وعواقبها وليس بملذات زائفة واكبت بعض لحظات من حياتنا .