الدكتور عوض الغباري فى قراءة خلف قضبان الحياة لسعدية العادلي
سعدية العادلى
فى رواية خلف قضبان الحياة
هذا عنوان رواية للكاتبة الأدبية سعدية العادلى، وهى ذات شخصية أدبية فنية ثقافية تربوية أصيلة.
لها كتب متعددة فى المسرح وقصص الأطفال، وفازت ببعض الجوائز، وحظيت بالتكريم لعطائها المتميز الغزير فى مختلف إبداعاتها.
وهنا مجال آخر لإبداعها فى الرواية، وقد تناولتها بأسلوب جميل، وإجادة فى رسم الشخصية.
والرواية سرد بضمير الغائب افتتحتها بقولها: “لحظات رائعة يحرص عليها دائما بعد صلاة الفجر… متأملا حركة السحاب وقت بزوغ الشمس بنورها المتدرج شيئا فشيئا يحبو فى تؤدة”
والشاعرية بادية فى هذا المفتتح. والشخصية الرئيسية فى الرواية هو “اللواء يوسف عز الدين”: “تبدو عليه مظاهر الهيبة والوقار” يتجه إلى حضور ندوة عما تتعرض له مصر من هجمات إرهابية، من خلال مناقشة كتاب لشخصية أخرى فى الرواية هى الدكتورة “نهى عبد العزيز” وعنوان كتابها: “الحب والحرب”.
وبتقنية الفلاش باشك يفاجأ اللواء بابنة خاله الدكتورة نهى، ويرجع إلى ذكرياته عندما كانت صغيرة فى رعاية جدته وجده، وتميزها بعلامة فى يدها مثل الزبيبة فسرتها الكاتبة تفسيرا شعبيا، مما هو معروف فى المجتمع المصرى، عندما تشتهى الحامل شيئا، فينطبع على جسم وليدها، فقد اشتهت الأم زبيبا فكانت هذه “الوحمة” كما يُطلق عليها فى التراث الشعبى الذى تأثرت به الكاتبة فى وصف طفولة “الدكتورة نهى”.
وقد نشأ اللواء يوسف “قوى الشخصية” وصفته الرواية بأنه طويل جميل الهيئة رفيع الأدب حكيم التصرف، له مكانته فى الأسرة.
وتسرد الرواية ذكريات طفولته مع “نهى” التى تصفها الساردة بأن لها وجها كالقمر، مشرقا، وعينين عسليتين وشعرا ناعما منسدلا على كتفيها.
وقد كانت تجلس لمشاهدة التلفزيون، أو لسماع القصص الدينية أو قصص الشاطر حسن والأميرة ست الحسن والجمال.
وكانت تحظى بحب الجدة والجد، يؤثرها الجد على أحفاده بالحلوى، مما يثير حفيظة أخيها “شادى”، وتدخل “نهى” المدرسة بثياب جديدة، فى صحبة “يوسف” وكانت مدرسته فى مواجهة مدرستها.
ويلاحظ حرص الكاتبة “سعدية العادلى” على إبراز القيم التربوية فى تنشئة الأطفال، وذلك لاهتمامها بهذا الموضوع، وتأليفها الكثير من القصص للأطفال مثل: “الوفاء النادر”، “الكنَّاس المحترم”، وكذلك مجموعة كتب بعنوان : “سلسلة المحترمين”، تهدف من خلالها لترسيخ القيم الحميدة فى الأجيال الناشئة تأكيدا لمسيرتها فى البحث فى مجال وسائل التربية للأطفال باستخدام الأساليب الفنية.
كانت “نهى” تعانى فى طفولتها من تجاهل أخيها الأكبر شادى لها، وإهماله لمشاعرها، خاصة أن أباها كان شهيدا، تقول الكتابة سعدية العادلى” “وقعت عيناها على صورة أبيها بجوار المرآة. أخذت دموعها تتسابق متساقطة على وجنيتها الناضرتين.
تملك “سعدية العادلى” حسا مرهفا، ومع أننى لست ما مع يسمى “الكتابة النسائية” تقسيما نوعيا للكتابة، فإننى –هذه المرة- أرى أن الخصائص النسوية بارزة فى هذه الرواية.
خاصة عندما تصور مشاعر الطفلة وهى تناجى صورة أبيها الشهيد الذى تفتقده وهى طفلة تستعد ليومها الأول فى المدرسة. وكذلك وصف الكاتبة لمشاعر أم نهى، وحزنها وانكسارها.
فضلا عن استيعاب “سعدية العادلى” للتراث الأسرى المصرى فى تربية الأطفال، وفى حوار الطفلين يوسف ونهى فى الرواية تداخل بفن المسرح، والكاتبة مسرحية، درست الإخراج المسرحى بأكاديمية الفنون، ولها نصوص مسرحية مثل: الاختيار الصعب، العودة، من أجل قلب سليم، شكرا يا أبى، شذى الماضى، الطريق إلى التنمية، وغيرها مما يؤكد سعيها الحثيث لوضع لبنة فى بناء جيل راق من أجل مجتمع أفضل.
والطفلة “نهى” تفتخر بأنَّ أباها ضابط، وتقف فى أول يوم لها فى المدرسة لتحية العلم، والطابع الوطنى من خصائص كتابة الأديبة “سعيدة العادلى”. والكاتبة تصف فرحة الطفلة بالكتب المدرسية، مما شعرنا به ونحن أطفال.
أما وصف “سعدية العادلى” لملابس الطفلة نهى، فيدل – مرة أخرى- على حسها النسائى فى كتابة الأدب.
وتسرد الرواية اهتمام يوسف بنهى، وحمايته لها من أخيها شادى، وإحساسها بالأمان معه، وحبهما المتبادل ببراءة الطفولة.
شب الفتى “يوسف” وسيما محبوبا، وشبت “نهى” طموحة محبة للعلم والأدب، فضلا عن أناقتها وحبها للقراءة، خاصة مجلة “حواء”، وجريدة الأخبار، واهتمامها بالأزياء، واستماعها للراديو: “فكانت سعادتها بين الكتب والمجلات والصحف، وكان غذاء الروح هو طعامها، وسمو النفس هو أخلاقها”.
وخلال سرد ما تحبه بطلة الرواية نشعر بجانب من إسقاط شخصية الكاتبة وما تحبه عليها.
إذ تتمثل تلك الأشياء الحبيبة فى حب مشاهير الأدباء، والبرامج الإعلامية المشهورة ثقافيا وإنسانيا فى الإذاعة والتلفزيون، والأعمدة المشهورة فى الصحافة، وغيرها، وحيث كانت “أعداد الناس قليلة يعرف بعضهم بعضا، يسودهم الحب والمودة والترابط”. ويلتحق “يوسف” بالكلية الفنية العسكرية، و”شادى” بالهندسة، و”نهى” بكلية الآداب/ قسم صحافة وتتشابك خيوط الرواية، وينشغل “يوسف” بعمله، ومساعداته الاجتماعية للناس.
ويتعرف “شادى” على “أحمد” ابن المهندس الذى تدرب فى مكتبه وهو طالب فى كلية الهندسة، ويحب “أحمد” “نهى”، ولكنه لم يستطع رؤيتها فى زياراته لصديقه لأن التقاليد المصرية المحافظة لم تكن تسمح بذلك من قبل. انبهرت “نهى” بالزى العسكرى ليوسف، ورأته عوضا عن أبيها الشهيد.
تقول الكاتبة: “نهى تعيش لحظات سعيدة، لا يفارقها يوسف فى زيه العسكرى، … مشاعر لا تستطيع وصفها، إحساس بالأنس لا تحسه إلا فى وجوده”. وتشارك “نهى” عواطف أمها تجاه أبيها الشهيد، وهى تعرض شريط ذكرياتها معه.
وتحفل الرواية بسرد حياة الأسرة المصرية من خلال سرد حياة هذه الأسرة، وعاداتها وتقاليدها.
وتتخرج نهى وأخوها ويوسف، وتنتظر نهى قدوم يوسف فى إجازاته، بعد أن وصل إلى رتبة نقيب مهندس بالقوات المسلحة، وتلقى دورات وتدريبات حصل فيها على أوسمة تفوق متعددة . ويقع “عصام” الطبيب الناجح؛ جار “نهى” فى حبها، وكانت أمه صديقة لأمها، لكن كيف به أن يحقق حلمه للوصول إلى “البرنسيسة” “نهى” كما كان يُطلق عليها من شباب الحى الهائمين بها. وتتعقد الأحداث بحلم “كأنه نبوءة” لنهى، وقد مضت مع حبيبها يوسف، فإذا بها تجد شخصا آخر. تصفه الساردة بأسلوب رائع فى قولها: “رأيت يوسف يسير أمامى… كان الجو خريفا، نسمات الهواء باردة، وضوء الشمس خافتا، وأشعتها ضعيفة كأننا فى وقت الفجر أو الغروب”. وانظر إلى دلالات الحلم من خريف وهواء بارد، وضوء خافت، وغروب، مما يوحى بالمأساة، والجو الحزين لنهاية قصة حب رائعة بين نهى ويوسف.
وقد عبَّرت الأم عن حزنها لأنها تعلم نقاء ابنتها، وحفاظها على كرامتها، وامتناعها عن البوح بحب يوسف، فأشفقت عليها وعلى أحوال الأسرة.
تناجى الأم نفسها بقولها: “لعن الله الحرب ومن يسعى إليها، ترملت فى عز شبابى بسبب الحرب، وحُرمت من زوجى، تركت منزلى وعدت لبيت العائلة ومعى شادى وبين أحشائى نهى، ورغم رعاية أسرتى ومساعدتها لنا فى كل أمور حياتنا، لكن شيئا ما غاب عنا، مساحة عاطفية خاوية لا يملؤها حنان الجدة ورعاية الجد” .
وتتداخل الرواية ببعض الأحداث السياسية، وتنضم “نهى” إلى الدفاع المدنى، وتدور حوارات حول المقالات السياسية بينها وبين زميلاتها. وأخذ “شادى” يحاول إقناع جدته بزواج “أحمد” من “نهى” حتى لا تتكرر مأساة والده إذا تزوجت نهى من يوسف، وهو ضابط، فقد يتعرض لما تعرض له والده فتعانى “نهى” ما تعانى أمها، خاصة والحرب على الأبواب، حرب يونيو 1967. وتصوِّر الساردة الواقع الأليم لنكسة 1967، والاستعداد لإزالة آثارها، وما صاحب ذلك من أحداث كرفض الشعب المصرى لتنحى الرئيس جمال عبد الناصر ، لأنه كان بطلا وزعيما يحبه هذا الشعب، وتسجل شدو أم كلثوم:
قم واسمعها من أعماقى فأنا الشعب
ابق فأنت حبيب الشعب
…
قم للشعب وبدد يأسه
واذكر غده واشرح أمسه
وقد ضحَّى الكثيرون من جند مصر فى حرب الاستنزاف المجيدة، مما كان تمهيدا لانتصار أكتوبر العظيم سنة 1973. وغاب يوسف، وأظلمت الدنيا فى عين “نهى”، انتظارا لحضوره، خاصة أن “شادى” ضغط عليها لقبول خطوبة صديقه (أحمد).
والحب موازٍ للوطنية فى الرواية حيث تقول الكاتبة: “ما زال قلب نهى بكرا خافقا بحب يوسف، يحسه قريبا منه يشاركه الحياة والعمل من أجل الوطن”. ومع تدهور الحالة النفسية لنهى بسبب غياب يوسف، واحتمال زواجها من غيره، شرعت فى تأليف كتابها المذكور سابقا عن الحرب والسلام، وكان فقد أبيها الشهيد، داعيا لمشاركة شعور الحزن لكل أسرة قدمت شهيدا للوطن. خاصة والوطن كان يعانى من أزمة اقتصادية، ونقص فى الغذاء، ووقوف الناس طوابير على فراخ الجمعية، وقلة الشاى والصابون والسكر وغير ذلك. ويحاول الجد
–بحنان- أن يَُعَرِّف “نهى” بعصام الذى يدرس الطب بأمريكا من خلال سرد ذكريات جميلة من طفولتها، وهى تنتظره فى البلكونة بعد صلاة الفجر.
ويحاول أن يشجعها على فكرة السفر إلى أمريكا لدراسة الدكتوراه، مذكِّرا بمأساة الحزن على والدها تمهيدا لموضوع زواجها بالدكتور عصام.
وعملت نهى فى جريدة لتتعايش مع واقعها، وتحمست لهذا العمل لكن (شادى) أفسد عليها ذلك بإقحامه لأحمد فى مكان عملها، وأخذ فى شتمها ومحاولة ضربها عندما اعترضت على ذلك، ولم يرحم مشاعر أم يوسف عندما قال لها ” ما خلاص اللى عايش رجع” فى إشارة إلى أن يوسف مفقود لن يعود، مما عمَّق حزنها، وأشعل الغضب عليه من جده وجدته.
مرض الجد حزنا على نهى حفيدته “وريحانة شيخوخته التى يتنفس من رقتها وحنانها إكسير الحياة”. وهنا تأكيد للأسلوب الرائع للكاتبة سعدية العادلى، وفى الرواية تأكيد لاجتماع الأسرة فى البلكونة مع الشاى والقهوة لتبادل الحديث، وهو مشهد متكرر يشير إلى ترابط هذه الأسرة مع ما تواجهه من أحزان، ومن تسلط “شادى على هذه الأسرة. وتكشف الرواية عن حب المصريين للفكاهة، وعن الاستعداد المستمر لحرب أكتوبر منذ حرب الاستنزاف، وعن كثير من العمليات العسكرية الناجحة فى هذه الحرب. واضطرت “نهى” للموافقة على الزواج من الدكتور عصام، والسفر إلى أمريكا للتخلص من مشاكل (شادى) وإصراره على زواجها من أحمد.
وتتوالى الأحداث استعدادا لهذا الفرح الحزين ويثور (شادى) عندما يعرف ذلك.
وتبدو “نهى” قلقة حائرة مرتبكة مضطربة لا تعرف ماذا تفعل: “لأول مرة تشعر أنها عاجزة لا تستطيع مجرد التفكير، لكن لابد أن تستسلم هكذا تصنع بنا الأقدار”.
وتذهب “نهى” إلى الكوافير وحدها، وتساعدها صديقتها “سوزان” التى رأت ثورة “شادى” فى البيت ليمنعها من السفر.
ويتجلى الطابع النسائى فى سرد الكاتبة سعيدة العادلى لما يحدث عند الكوافير بالنسبة للعروس، وتثبت أغنية (شادية):
راحة فين يا عروسه
راح أجيب سكر
وقد أدارها صاحب محل الكوافير عندما لاحظ حزن نهى ليروح عنها، وكذلك أبعدتها صديقتها الشيكولاته (كورونا) التى تحبها.
واتجهت السيارة بالعروس مع جدها وجدتها وأسرة العريس إلى المطار لتسافر نهى إلى زوجها الدكتور عصام بأمريكا.
وكُلِّل هذا الموكب بما يدل على حزن العروس فى قول الكاتبة : “كان الجو باردا، والسماء ملبدة بالغيوم، وفجأة هطلت الأمطار وأخذت تتزايد، وشعرت العروس ببرودة تسرى فى أطرافها. أحست أنَّ قلبها قطعة ثلج تذوب حزنا وقهرا كلما تقدمت السيارة فى الطريق خاصة عند خروجها من الزقازيق مسقط رأسها وأجمل أيام عمرها”.
تعطلت سيارة الجد والجدة، ومعها شنط العروس التى سافرت بدونها، ومع سوء الحالة الجوية، كان السائق يجد صعوبة فى الرؤية، ومع ذلك لا تنسى الكاتبة وصف شنط العروس، وما كان فيها من مأكولات للعريس، على لسان أم العريس: “الشنطة البنى فيها اسم الله عليكم دكرين بط وعشر تجواز حمام”.
كانت نهى روح المكان، وقد حزن جدها على فراقها، وأخذ يستعيد كل حركاتها وسكناتها، وقد أصبح كل شئ حوله سرابا بعد سفرها.
وكانت “نهى” حزينة متعبة، وهى فى رحلة السفر إلى أمريكا بعد جهد نفسى وبدنى كبير. أخذت الساردة فى وصف ملابس نهى بعد أن وصلت إلى أمريكا، واستقبلها الدكتور عصام زوجها فى المطار.
وقد تعرفا بعد فترة لأن “نهى” كانت قد خلعت ثوب الزفاف، وارتدت ملابسها العادية، تخففا من لفت النظر وهى متعبة. وتتناص الكاتبة مع أغنية شادية أقوى من الزمان، ويحقق العريس أحلامه بالزواج من نهى، وترجع نهى إلى الحلم الذى رأته وهى تجد رجلا آخر غير “يوسف”، وقد اتضح أنه هذا العريس.
ويدور حوار بين العريس والعروس حول مصر، ويوسف، والأمنيات أن يكون على قيد الحياة، وذكريات العريس مع جد العروس، وصحبته هو ويوسف للجد بعد صلاة الفجر. وتبرع الكاتبة فى هذا الحوار مستوعبا الأحداث فى حركتها من الماضى إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى الماضى. وتتوارد الذكريات فى حديث الدكتور عصام عن أم نهى وأمه، وعن صداقته ليوسف وزمالته فى المدرسة.
واتجه العريس داعيا العروس إلى مطعم مصرى لمصرية نشيطة اسمها “نانسى” تنظم أنشطة ثقافية إلى جانب إدارة المطعم مع زوجها. وتعود الرواية إلى مصر وأحزان الجد والجدة ومرضهما. أحب “شادى” “داليا” أخت صديقه أحمد، وكانت جميلة.
وقد اهتمت “داليا” بأسرة شادى، وأضاءت ظلمة حياتهم بعد سفر نهى. وتسرد الأحداث الوقع الحزين لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970.
وتمضى الأحداث بعد تولى السادات حكم مصر. وترسل نهى خطابا لطمأنة أمها وجدها وجدتها، وتسرد فيه بعض ذكرياتها الحبيبة معهم، ورضاها عن زوجها، وحنينها إلى الأم، وقد اصطحبت زجاجة عطرها، وإلى الجدة وقد اصطحبت سبحتها الخضراء التى كان يحلو لها أن تنظر إليها مضيئة بالليل، وتسلم على أخيها شادى وصديقته سوزان، وتسرد بعض ما قامت به منذ وصولها إلى أمريكا، خاصة النشاط السياسى والاجتماعى مع الجالية المصرية.
ثم يتوفى الجد، وبعده الجدة، ويتعمق حزن أم نهى. وقد عرفت أم يوسف أنه لا يزال على قيد الحياة مصابا بمستشفى القوات المسلحة بالقاهرة فانتقلت لتكون بجواره، ولم تعرف هذا الخبر سوى أم نهى بناء على طلبه.
تزوج شادى وأنجب بنتا، وولدا، سمى البنت “نهى”، والولد “يوسف” فقد كان طيب القلب مع عصبيته، وكأنه أراد الاعتذار إلى أخته، وابن خاله لما بدر من إساءته إليهما. وأخفى خبر وفاة الجد والجدة عن نهى وزوجها. وتقف الرواية عند انتصار أكتوبر 1973، وما صحبه من شعور بالعزة والكرامة المصرية. ودور الفن فى تخليده بأغنيات وطنية مؤثرة، وقرر عصام أن يزور مصر هو ونهى فجأة ليعايشا هذا الحدث المجيد إلى جانب الأسرة.
وتتناص الرواية مع بعض خطب السادات عقب هذا النصر المجيد، كقوله، رحمه الله: “إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أى مقياس عسكرى”.
وقوله: “ولست أتجاوز إذا قلت إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه- كما قلت- فى ست ساعات.
فرحت الأم ونهى باللقاء بعد غياب ست سنوات وحزنت هدى لوفاة الجد والجدة وقد أخفاه (شادى) عنها، ورأت نهى كيف تغيرت معاملة شادى إلى الأحسن، وكيف قدَّم لها صغيريه بحب.
أخذت نهى تحكى عن حياتها ونشاطها فى خدمة بلدها بأمريكا عبر الصحافة.
وحكت لأمها عن اتفاقها مع عصام على عدم الزواج، كما حكت عن تشجيعه لها حتى نجحت فى عملها.
وتنتقل الرواية بين ألوان من الحياة المصرية فى هذه الفترة التاريخية فى الستينيات والسبعينيات وما حفلت به من تراث مصرى، ذاكرة حتى نوع الشيكولاته الكورونا التى تحبها البطلة، والبيجامة الكستور التى سادت فى هذه الفترة، وغير ذلك.
وتطورت الأحداث واقترب عصام من نهى، وقد احتوتها أسرته، واحتواها حبه. ويفتخر دكتور عصام بالكتابات الوطنية لنهى فى الصحف الأمريكية، وتتناص الرواية بما تغنت به أم كلثوم فى وصف الإرادة المصرية.
أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
كان زواج نهى بعصام حبرا على ورق، ولكنه تحول إلى زواج فعلى بين أحضان الطبيعة فى الواحات، ومع أسلوب شاعرى يحمل من المعانى ما هو راق، وقد أنجبا طفلين، محمدا ويوسف.
وكبر الطفلان وسط نجاح الأب وقد أصبح طبيبا عالميا، والأم وقد حصلت على الدكتوراه، وكانت “سفيرة مصرية وطنية مخلصة”([21]). درس محمد اللغات والآداب، وأصبح كاتبا متميزا، ودرس يوسف الفنون وأصبح مبدعا فى الفن التشكيلى.
وأصبحت نهى جدة لأربعة أطفال، وفى مؤتمر عن كتابها فى جامعة القاهرة، وعودا على بدء بتقنية الفلاش باك التى برعت الكاتبة سعيدة العادلى فى توظيفها، يرى يوسف نهى، ويحرص على رؤيتها من بعيد، وتنتهى الرواية بهذه العبارة التى تكشف جوهرها، على لسان يوسف: “معك كان اللقاء، ومن أجلك كان الفراق، ولك الحب والبقاء”.
لقد ضحى الحبيب بحبه، والحب كما تكشف عنه الرواية، أيضا، عطاء وإيثار واحتواء، والكاتبة سعدية العادلى تعبر عن نفسها، من خلال قول بطلة الرواية: “أسرع فقدم الحب شعب، وأسعد لتسعد، كن قائدا بالحب والاحتواء”.
إنها دعوة الحياة، وأسلوب الكاتبة التى تفنى ذاتها فى عملها الأدبى، وتخلص فيه، وتبث القيم التربوية الأصيلة، والمشاعر الوطنية المخلصة -عبره – فى هذا العمل الروائى المتميز.
أستاذ بكلية الآداب- جامعة القاهرة.
([1]) سعدية العادلى، خلف قضبان الحياة، دار مكتوب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2018، ص7.