القاهرة , أحمد فتحى رزق
تقوم وسائل الإعلام بتقديم تفسيرات للواقع بالكلمة والصورة والحركة ويبني الأفراد معاني مشتركة للواقع المادي والاجتماعي من خلال ما يقرءونه أو يسمعونه أو يشاهدونه، وبالتالي يتحدد سلوكهم جزئياً من خلال ما تقدمه وسائل الإعلام من معلومات، فهي بمثابة نافذة يطل منها الفرد على العالم الخارجي.
تعتبر الأزمة حدثًا مهمًا يترك آثاره العميقة على مختلف جوانب الحياة، وإذا كانت الأزمة قد اختفت أو انتهت، فإنّ آثارها ذات حضور قوي، وبالتالي تمارس تأثيرًا، لذلك لا يجب أن تتوقف وسائل الإعلام عند مجرد تفسير الأزمة والتعامل مع عناصرها، بل يجب أن يتخطى الدور الإعلامي هذا البعد، لتقدم هذه الوسائل للجماهير طرق الوقاية وأسلوب التعامل مع أزمات متشابهة.
وعلى الرغم من وضوح دور وسائل الإعلام في الأزمات في المراحل الثلاثة، فإنّ تلك الوسائل قد تواجه مجموعة من العقبات والمشاكل وينظر البعض لوسائل الإعلام على أنها تقوم بالتركيز على بعض الموضوعات والقضايا لتحقيق مصالح للقائمين على تلك الوسائل ولا تعكس الواقع، بل تخلق عالم يبدو للمتلقي حقيقيا، وقد يتقبل المتلقي هذا لكونه غير مدرك، ومع تراكم التعرض لوسائل الإعلام يبدو العالم الذي صنعته تلك الوسائل حقيقياً في الأذهان. وبالنسبة للأزمة المهم هو ما يتصور الناس أنه حدث وليس “ما حدث” والمهم أن يعرف القائم بالاتصال كيف يخاطب اهتمامات الناس فهي أهم من الحقائق.
ومثال على ذلك: أزمة مرض “جنون البقر” في بريطانيا عام 1990، حيث أصاب الناس بحالة هستيرية نتيجة نقص المعلومات الدقيقة بالمرض مما أدى لتصاعد الأزمة، حيث أدى تداول وسائل الإعلام لكلمة أبقار وكلمة جنون إلى جعل الناس يعتقدون أنهم سيتجولون إلى أبقار ويصابون بالجنون. لوحظ ضعف المعالجة الإعلامية للحوادث الإرهابية الأخيرة في الهرم والعباسية وقد مرت ساعات ثمينة.
5 ساعات الأولي غاب فيها الإعلام الأمني والبيانات الرسمية مما جعل شبكات التواصل والمواقع الإخبارية ساحة ومرتعا للشائعات وتباين أعداد القتلى والجرحي .أحدث بلبلة. – أتاح غياب المعلومات حضورا للجهات الراعية للإرهاب لم تكن تحلم به .
كما جاءت البيانات الرسمية ضعيفة باهتة لم تقدم جديدا مما يبرز الحاجة إلي الاستعانة بخبراء في إعلام ألازمات – اتسمت المعالجة التليفزيونية الفضائية بالانفعال والتضخيم وغياب المعلومات وكأن مصر قد أصبحت ساحة حرب ووقعت معظم الفضائيات الخاصة والحكومية في خطأ مهني متعمد بنشرها صور الجثث والجرحى وحجم الدمار الناتج عن التفجيرات وهو اكبر خدمة قدمتها هذه القنوات للإعلام الداعشي والمعادي للدولة المصرية . اتسمت المانشيتات الصحفية قومية وحكومية بالمانشيتات الزاعقة والألوان السوداء والحمراء الفاقعة الألوان مع غياب تام للتحليلات والتفسيرات المحترمة .
وسادت التخمينات – وقع بعض الإعلاميين في خطأ فادح حين ذهبوا لمكان الحادث ظنا منهم بان الجمهور سيستقبلهم بحفاوة فتم الاعتداء عليهم ومن عجب أن نفس الجمهور رحب جدا بمني عراقي ولم يتعرض أحد لها بسوء ، مما يجعلنا نضع علامة استفهام حول جماهيرية مزعومة للإعلاميين الثلاثة الذين تم الاعتداء عليهم – كشفت الحوادث الثلاثة الأخيرة عن ضعف شديد في إعلام الأزمات وإدارة الأزمة إعلاميا .
وضعف فهم الحشد ضد الإرهاب مع حماية الأمن القومي استطاعت العديد من المنظمات الاستفادة من الأزمة كفرصة للاستثمار وتسويق الأعمال، وقد لوحظ إن معظم الناس يتأثرون بالأزمة عند ذروة النشر عنها ولكنهم بعد فترة قد ينسون الأزمة ولكن يتذكرون اسم المنظمة، فالأزمة الفعلية نادراً ما تسبب الدمار، ولكن هذا يتوقف على طريقة المعالجة الإعلامية التي قد ترتفع بسمعة المنظمة أو تهبط بها إذ ليس هناك ما هو أسوأ من النشر السلبي.
يتشابه كل من دورة حياة الأزمة مع دورة حياة الكائن الحي من حيث الميلاد ثم النمو فالنضج وصولاً إلى مرحلة الانحدار والموت. فحين تظهر الأزمة في بوادرها أو ميلادها يمكن أن تتدخل فنون الإدارة لتحول دون أن تصل الأزمة إلى مرحلة النمو والنضوج وفي هذه الحالة تستطيع الإدارة الرشيدة أن تقتل الأزمة في مهدها (إجهاض الأزمة)، أما عندما تتجاهل الإدارة معالجة الأزمة في مهدها تكون الظروف مهيأة لميلاد الأزمة ونموها ووصولها إلى النضج والتي تشكل تهديداً شديداً على المنظمة.
ومن المهم أن ندرك أن بعض الأزمات لا يمكن تجنبها أو احتوائها في مهدها ولو استطاعت المنظمات التصدي للمشكلات قبل أن تتحول لأزمات فإنها سوف تتجنب التغطية السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام نتيجة نقص المعلومات وغموض الموقف.
الازدواجية في الخطاب الإعلامي التي تصل إلى حد التناقض بين المواقف السياسية المختلفة المعلنة – أتاح غياب المعلومات حضورا للجهات الراعية للإرهاب لم تكن تحلم به .كما جاءت البيانات الرسمية ضعيفة باهتة لم تقدم جديدا مما يبرز الحاجة إلي الاستعانة بخبراء في إعلام ألازمات
إن توجيه رسائل إعلامية ذات صلة بالأزمات لكل فئة من فئات المجتمع ضرورة لكسب تعاونهم يبدو ضرورياً، والإعلاميون هم أهم الشركاء نظراً لقدرة تأثيرهم على الرأي العام، لذا يجب إقامة علاقة طيبة معهم تقوم على الثقة المتبادلة وإعطائهم معلومات محددة وتنظيم لقاءات دورية معهم.
إن هناك من يتحوط لمواجهتها ويستفيد من أخطائه وآخرون لايتعلمون من تجاربهم رغم قساوة النتائج على الدول والشعوب وفي مقدمتهم الأقطار العربية…ابعد الله عن الجميع الكوارث وجنبنا الأزمات.
إن إدارة الأزمات علم مشتق من علم أكبر وأشمل هو علم الإدارة العامة وهو أيضا علم السياسات العامة المخططة والمدروسة لتحقيق أهداف محددة تحقق المصالح القومية مباشرة وتكون عونا لصانع القرار السياسي في مختلف المجالات. وتأتي السياسة الإعلامية في سياق تلك السياسات العامة بمعني أن يكون للإعلام سياسة عامة مخططة ومدروسة لتحقيق أهداف محددة منها إدارة الأزمات في عالم متغير مملوء بالصراعات الساخنة وتبرز فيه قوة الميديا وبطشها وغطرسة القوة العسكرية وعنفوانها وتتفشي فيه ظاهرة ازدواجية المعايير علي حساب حقوق الإنسان وظاهرة عولمة الاقتصاد علي حساب شعوب العالم الثالث.. الخ. ولا شك إن أجهزة الإعلام العربية ـ حكومية وأهلية ـ
تتحمل مسئولية ترسيخ سياسة إعلامية عربية قومية تتعامل مع أزمات العصر وكوارثه من منطلق موحد ومتكامل وبأساليب حضارية أخلاقية تتكافئ شرفا مع غايات الأمة في قرار أو استرداد حقوقها المشروعة والحفاظ علي خصوصيتها الثقافية في إطار إيمانها بحوار الحضارات والتعاون الدولي وديمقراطية العلاقات الدولية.إدارة الإعلام أثناء الأزمة: يعتبر انفجار الأزمة تطورًا نوعيًا وليس كميا فقط في حياة الأزمة، يستدعي إعادة تقييم ، وإجراء مراجعة شاملة وعاجلة ، تقوم بهما القيادة العليا ممثلة في هيئة الأركان المركزية المكلفة بإدارة الأزمة .
ونعتقد أن الإعلام يستطيع أن يساهم في عملية إعادة تقدير الموقف هذه باعتباره المجال المرتبط والمعبر عن المجالات الأخرى كافة، بالإضافة إلى كونه الجهة الأكثر وضوحًا في التعامل مع الأزمة.
إن الأسلوب الأنجع والأقوى والأشد تأثيرا من جميع الأساليب المستخدمة لمجابهة الحملات الإعلامية المعادية يتمثل في تقديم خطاب إعلامي عني وموضوعي وجذاب ويتمتع بقدر كبير من الوثائقية والمصداقية. اليقظة المستمرة والمراقبة الدقيقة لإعلام الخصم مسألة بالغة الأهمية في إدارة الأزمة إعلاميا