أخبار عاجلةأخبار مصرأهم الاخبارالاحزاب والقوى السياسيةحصرى لــ"العالم الحر"

الدكتور أشرف الصباغ يكتب رسالة الي طواغيت المال والسياسة والاعلام بمصر

جوقة الوزيرات في حفل جنيفر لوبيز

احجز مساحتك الاعلانية

جوقة الوزيرات في حفل جنيفر لوبيز: رسالة إلى طواغيت السياسة والمال والإعلام في مصر..

قد يبدو أن السخرية لم تعد تجدي نفعا. وربما تثير هذه السخرية مخاوف البعض من إصابة الساخرين، من ما يحدث في مصر، بمكروه أو أذى. أي أن الخوف أصبح العامل المشترك في كل الحالات، وصار السمة المميزة لكل الرسائل الموجهة إلى أي مواطن يبدي احتجاجه على أي شيء وبأي لغة أو وسيلة. الخوف والتخويف والرعب وقطع لقمة العيش والحصار وتوجيه سهام الإعلام البذئ ورفع الغطاء القانون والاجتماعي عن المواطنين “الضحايا”، وتصفية الحسابات والغل السياسي والأمني، أصبحت السمات المميزة لحركة مجتمع في عشرينيات القرن الواحد والعشرين!! إنها كارثة بكل المعايير تضع هذا المجتمع بن سندان الفقر والجهل والمرض والخوف ومطرقة القمع والاستبداد والاستهتار والسفه والاحتقار.

لن نلجأ لموضوعات وعناوين وشعارات وأحداث ضخمة، سنأخد مثالا صغيرا، وربما تافها لنقيس عليه… لقد أبدى البعض تأففه وامتعاضه، واقشعر جلده الطري الناعم، من السخرية والانتقادات، بل والشتائم، التي طالت الوزيرات المصريات اللاتي حضرن حفل المغنية والممثلة العالمية جنيفر لوبيز في التاسع من أغسطس 2019 في الساحل الشمالي. وقبل الحفل بعدة أيام كان الحادث الإرهابي الدنيء أمام معهد الأورام بالقرب من وسط القاهرة. وكذلك إطلاق يد الدولة لتغيير قوانين وسن المعاش لغير صالح المواطنين، ورفع أسعار الوقود ومواد الطاقة التي ترتفع معها أسعار كل شيء.

البعض رأى أن عدم تأجيل الحفل يمثل موقفا مهما من الدولة ورسالة موجهة إلى الإرهاب والإرهابين، وإلى الرأي العام العالمي وحكومات الدول الأخرى المتربصة وغير المتربصة بمصر. وهذا صحيح مائة بالمائة. ورأى البعض الآخر أن حضور الوزيرات بزيهن الأبيض يؤكد مثل هذه الرسالة، ويؤكد أيضا “علمانية ومدنية وتحضر وغنج مصر والمصريين والمصريات”، وأن الناس ليسوا فقط سواسية في مصر حيث يعم الرخاء والازدهار والديمقراطية والعدالة والحق، بل وأيضا قادرون اقتصاديا وماديا ولديهم كل الإمكانيات المالية التي تساوي بينهم وبين أقرانهم في كل دول العالم المتحضرة، وعلى رأسها أوروبا وأمريكا.

إن المسألة لا تقتصر فقط على الحادث الإرهابي الدنيء الذي وقع قبيل الحفل بأيام قليلة، وإنما يمتد إلى وضع أوسع وأسوأ بكثير. وبعيدا عن الطنطنات بشأن جلال الموت وقدسيته، ورهافة المصريين أمام الموت، فإن المسألة تتعلق بحياة المجتمع المصري الذي يعاني من مصاعب اقتصادية ومعيشية حقيقية، ويعاني من حالة قمع واستبداد وتكميم أفواه وقطع أرزاق، ومن حالة إصرار على الاستقطاب السياسي والاجتماعي وتوسيع الهوة الطبقية، وإشاعة العدمية واللامبالاة والفوضى، والتبجح بالسفه.

إن حضور شباب وشابات مصريين وأجانب هذا الحفل يمكن وضعه في إطاره الفني والحياتي والمعيشي والجمالي والثقافي والقيمي، بل ويمكن تفسيره في السياق الطبقي القريب إلى العقل والواقع، والذي بحاجة إلى جهد حثيث من الباحثين والمهتمين بالسياسة والاجتماع والصراعات الطبقية في العالم عموما، وفي الدول الفقيرة والقمعية والاستبدادية على وجه التحديد. ولكن لا يمكن تفسيرحضور “جوقة” من الوزيرات المسؤولات بزي له دلالات معينة، والتقاط صور في أوضاع معينة ليست مثيرة أو بها شبهة جنسية تستفز “شهامة وإيمان وعقيدة المجتمع المصري المتدين بطبعه!!!”، وإنما هي مثيرة اجتماعيا، وبها شبهة استفزاز طبقي، وسفه وقلة عقل، واستهتار حكومي رسمي لشعب عرف قبيل الحفل بعدة أيام، ومن اعترافات الحكومة نفسها، أن أكثر من 30 مليون منه تحت خط الفقر!!! بينما الكل يعرف أن العدد أكبر من ذلك بكثير، مع التآكل شبه التام للطبقة الوسطى، وانتشار الفساد والمحسوبية، وإحكام قبضة الجهل والقمع على وسائل الإعلام، وتوجيه الثقافة إلى أسفل تارة، وإلى الخلف تارة أخرى، بحجج الوطنية والدين والعادات والتقاليد. بينما العالم يسير إلى الأمام بكل قوته وعنفوانه، وتسعى الشعوب والمجتمعات الأخرى للحفاظ على مكاسبها الاقتصادية والإنسانية والدستورية والقانونية أمام الهجمة الوحشية الدنيئة والحقيرة للزعماء المختلين والحكومات الشعبوية، وفي ظل العنصرية والتمييز الطبقي والعرقي والديني والثقافي، ومحاولا إعادة البشرية إلى الوراء على يد حكام وزعماء موتورين وشواذ وحكومات أقرب إلى أغوات الحكم العثماني إبان سيطرة الخلافة العثمانية واحتلالها نصف العالم.

إن جوقة وزيرات مصريات بزي غريب وفي وضع أكثر إثارة للاستغراب والدهشة أمام الكاميرات لحضور حفل غنائي في الساحل الشمالي لابد وأن يثير الكثير من التساؤلات، وخاصة عندما يتذكر المواطن المصري الذي ينتمي سواء للـ %60 تحت خط الفقر، أو لمرضى السرطان والأورام الأخرى، أو لسكان الريف الذين يمثلون أغلبية “رعايا” الحكومة التي تحكم البلاد، أو لسكان العشوائيات في القاهرة والإسكندرية، أو لسكان مدن القنال وسيناء، عندما يتذكر تصريحات نفس هؤلاء الوزيرات عن ربط الحزام والصبر والجلد وضرورة التحمل من أجل مصر ومستقبل مصر وجمال مصر وعظمة مصر!!!!

إن اختفاء جوقة الوزيرات لن يغير من الأوضاع السيئة شيئا، ولن يغير من انهيار المنظومات التعليمية والصحية والإعلامية، ولا من تدني وهبوط أوضاع الثقافة والفن وتوجيههما نحو المزيد من الرجعية والتخلف وإشاعة الرق والعبودية، ولا من تفشي الفساد السياسي والمالي والإداري، ولا من توريث الثروات والنفوذ وتشكيل عصر الأسر المالية والسياسية الجديدة على حساب ما يقرب من 95 مليون نسمة وسط شعب بلغ تعداده حوالي 100 مليون.

إن اختفاء الجوقة وكافة المظاهر المشابهة لا يغير شيئا، ولن يغير شيئا، لا في المذكور أعلاه، ولا في منظومة الحكم وشكلها وجوهرها ونسقها وتركيبتها. ومع ذلك، فإن ظهور الجوقة، وتجلي ظواهر أخرى، مثل تصرفات أبناء المسؤولين الحكوميين وأبناء الأثرياء في الأماكن العامة، وغير العامة، إزاء الملايين من أبناء الشعب الفقير، وسلوكيات مجتمعات المال والأعمال والصالونات السياسية، ودناءة وسائل الإعلام وممثليها، وبجاحة المسؤولين السياسيين وتبجحهم، وظهور الأسر الجديدة في مجالات المال والإعلام والسياسة… إن تجلي وظهور كل ذلك يكشف عن حجم النطاعة والتبجح والاستهتار من أقل من نسبة %5 من سكان مصر، وثقتهم المطلقة بأنهم يحكمون قبضتهم على هذا الشعب ومقدراته ومستقبله، وأن لا أحد يمكنه أن يغير أي شيء في وثيقة، أو صك، امتلاكهم ثروات البلاد، وأراضيها وما عليها ومن عليها وما في بطنها، وأنهم فوق القانون والعقاب….

سأذكر لكم مقطعين بسيطين من “شهادة تاريخية” أُرسلت إلى طواغيت المال والإعلام اليهود في روسيا قبيل الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الروسي في أغسطس عام 1998، إبان حكم الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، وكادت تدفع المؤسسات المالية الدولية على الحجز على روسيا وممتلكاتها في الخارج. لقد نشرت هذا الرسالة بمجلة “أرجومنتي إي فاكتي” الروسية. وقد أرسلها الكاتب اليهودي الروسي إدوارد توبول إلى الطغمة المالية التي كانت تتحكم وقتها في القرار والرأي العام في روسيا تحت عنوان (رسالة مفتوحة إلى بيريزوفسكي وجوسينسكي وسمولينسكي وخودوركوفسكي وأفراد الطغمة الآخرين). وقد قمت بترجمتها آنذاك، ونُشِرَت في البداية بمجلة “الثقافة العالمية” الكويتية، ثم ضمَّنْتُها كتابي بعنوان “غواية إسرائيل.. الصهيونية وانهيار الاتحاد السوفيي”، ثم وردت بعد ذلك في كتاب آخر لى بعنوان “عشر سنوات على انهيار الاتحاد السوفيتي”.

فقرة 1
“من هنا أود أن أقول لكم وبشكل مادي تماما: لننس ولو لدقيقة واحدة عشرات الآلاف من اليهود الذين سيذبحهم أصحاب القمصان السوداء في أول موجات المذابح. وسننسى أيضا أبناءهم وأمهاتهم. ومع ذلك فلو حتى أفلحتم في الفرار من روسيا على طائرتكم الخاصة متناسين هؤلاء الناس، سيكون الأمر سيان، وسوف تكون نهايتكم- ستفقدون إمكانية التحكم في ذراع السلطة والاقتصاد لهذا البلد. سوف تصيرون ببساطة مجرد لاجئين غرباء في المهجر. وهذا بالنسبة لكم، وأرجو أن تثقوا بخبرتي، هو الموت بعينه حتى في حالة وجود حساباتكم في البنوك السويسرية. وبالتالي، فحقيقة أنكم لن تستخدموا لا هبة الرب، ولا حتى أموالكم لخير هذا الشعـب ومصلحته سوف تكون هي الانتحار بعينه.
الآن لنتذكر، فقط لنتذكر، يا بوريس أبراموفيتش، اليهود الآخرين وأنصاف اليهود من مواطنى هذه الدولة. أنتم تعرفون إنه عندما أصبحت جميع الأموال الألمانية في أيدي أصحاب البنوك اليهود الذين كانوا يفكرون فقط في مضاعفة ثرواتهم وسلطاتهم في ألمانيا، ظهر هناك هتلر، وانتهى الأمر بالهولوكوست.

فقرة 2
“إن الشعب الذي نعيش بينه اليوم في محنة حقيقية. في البلاد فقر مدقع وفوضى ويأس وجوع وبطالة، ونهب يقوم به الموظفون وقطاع الطرق، وحبيباتنا- النساء الروسيات- يبعن أجسادهن على الأرصفة. وبالتالي، ساهموا تبا للشيطان، بمليار أو اثنين. لا تكونوا مثالا لليهودي الجشع البخيل، وساعدوا هذه الأمة في طريقها الدامي إلى الحضارة. ساهموا ليس فقط بالأموال، وإنما بالأفكار والمواهب والحكمة، والفطنة الإلهية والطبيعية، وظِّفوا كل جهودكم وإرادتكم وسلطتكم وثروتكم لإنقاذ روسيا من السقوط في الهاوية، وتخليصها من أخلاقيات المعسكرات السوفيتية وطريقة تفكيرها. إن أولئك الناس الذين تنقذونهم هم أنفسهم الذين سوف يحموننا نحن وأنتم من المذابح. وستردد أمهاتكم، أمهاتكم اليهوديات، في ضراعة “مازول توف!” (الشكر للرب – بالعبرية) هذا وإلا فسوف يظهر كليموف آخر ليكتب رواية “السلطة اليهودية”- عن إبادة اليهود للشعب الروسي. هل تريدون ذلك يا بوريس أبراموفيتش؟”…

طبعا الرسالة موجهة من مواطن يهودي لطواغيت المال اليهود في روسيا في تسعينيات القرن العشرين. وأعتذر هنا عن التصنيف العرقي أو الديني، إذ أنني التزمت بالترجمة عن الروسية، ولأن التصنيف هنا مهم لأن كاتب الرسالة نفسه (إدوارد توبول) يهودي، ويقصد إرسالها إلى اليهود في روسيا.
أما علاقة هذين المقطعين بموضوعنا الأصلي عن مصر، فمن الممكن وضع طواغيت المال المصريين أو السلطات المصرية بدلا من طواغيت المال اليهود، ومصر بدلا من روسيا.

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى