هِجـْرة الأفــكار عَبْر الزّمان والمكان
الأفكار تهاجر عَبر الزمان والمكان, وبالتزامن (in conjunction) أحيانا مع هجرة الناس, وأحيانا بشكل مستقل عنها, وهجرة الأفكار من سياق إلى آخر.. هو الجانب الرئيسى من التواصل بين العلماء والباحثين, وهجرة الأفكار.. من أكثر الملامح المهمة للتاريخ الثقافى ..العلمى.. والفكرى, وسمة مهمة فى تاريخ المؤسسات والمنظمات والتكنولوجيا.
وتعتبر دراسة هجرة الأفكار بالتزامن مع هجرة العلماء والمثقّفين, هى فى نفس الوقت دراسة للدور الحاسم للإضطرابات السياسية والحروب الكبرى, مما يعطينا رؤية لإنتاج الإلتقاء الدولى للعقول, التى تركز على التخصصات المتعددة فى العلوم الإجتماعية والعلوم الإنسانية, بما يمثل جهد فكرى مشترك يهدف إلى مناقشة القضايا ذات الإهتمام المشترك مثل:
- ظهور معتقدات أو نظريّات متشابهة فى أوقات وأماكن مشتركة.
- نشر الأفكار فى شكلها الخام النقى..أو بعد بلورتها وتجسيدها بشكل مادى ملموس.
- الدور المركزى للسياق ..فى تحديد أية ملامح للتشابه والمميزات.. التى تم الإحتفاظ بها, وأية ملامح تم فقدها أثناء عملية هجرة الأفكار.
- دوام غموض نماذج معينة من الأفكارفى سياق , تعتبر نشطة فى سياق آخر مختلف.
ومن أمثلة النماذج التى تشجع على هجرة الأفكار, التعاون الذى تم بين جامعة بولونيا وجامعة كامبريدج والذى أدى على مدار سنوات إلى زيارات متبادلة للعلماء, وإلى ترتيب مشترك للندوات متعددة التخصصات, حيث تم فى ربيع (2004) عقد أول ندوة فى مركز بحوث الآداب والعلوم الإجتماعية والإنسانية بجامعة كامبريدج, عن هجرة الأفكار, وكانت تهدف على نطاق واسع تقييم الأسئلة التى يجب طرحها والأطر المرجعية التى ستُستخدم.
وكما إتّضح فيما بعد, تم إعطاء إهتمام كبير لتحليل المواد التى تدعم الأفكار( سواء مخطوطة أو لوحة أو حتى تسجيل موسيقِى), وكذلك تأثير المعنى فى وسائل الإتصال فى نقل المحتويات من سياق لآخر.
وظهرت الأسئلة التى طُرحت فى ندوة جامعة كامبريدج, مرة أخرى فى الندوة الثانية التى عُقدت فى سبتمبر(2004) بجامعة باولونيا, والتى كانت مُكرّسة لمناقشة هجرة الأفكار داخل الشبكات العلمية العالمية, وتناولت قضايا تبادل المعلومات العلمية من بدايات أوربا الحديثة وحتي الشبكات الفكرية بعد الحرب العالمية الثانية, وقد كان أهم المواضيع المركزية هو دور تغيير السياق فى هجرة وإنتقال الأفكار عَبْر المكان والزمان.
وقد كان من الأهداف الرئيسية لندوة جامعة بولونيا, هو إظهار أن هجرة الأفكار تتم, من خلال التركيز على الدور المحورى للشبكات العلمية العالمية, بإعتبارها وسيلة لتداول النظريات والمعتقدات بين الناس فى البلدان المختلفة.
وقد تناول العالِمان (raffaella simili &Roberto Scazzieri) من جامعتى بولونيا وكامبريدج فى كتاب (The migration of ideas,2008) هجرة الأفكار من خلال:
- الجزء الأول : (الكوْنيّة والشبكات الفكرية), ويعالج القضايا فى طابعها المتعدد الأوجه من القرن الثامن عشر للقرن العشرين.
- الجزء الثانى: (تغيير العقول), يناقش الفكرة العامة لتغيير السياق كعقبة ظرفية تؤثر على الطريقة التى يتم بها تنظيم المفاهيم, أو أنماط العلاقات الشخصية, والتى يتم تفسيرها فى ظل ظروف مختلفة تابعة لكل سياق.
- الجزء الثالث : (الحروب والأماكن الجديدة), ويركز على النزوح الشخصى للعلماء والباحثين, وتأثيرهم على تفضيل الهجرة ” من زوايا معينة أكثر من غيرها” عَبر الزمان والمكان.
ويهدف الكتاب لتسليط الضوء على المسارات المتعددة التى أخذتها هجرة الأفكار, والأبعاد المتعددة لما ينتقل أو لا ينتقل من سياق لآخر, والكتاب بمثابة نتاج للتعاون العلمى الدولى, فى مختلف التخصصات والبيئات الأكاديمية, والكتاب بالفعل يُعتبر بمثابة مُنتدى يناقش الأفكار الرئيسية لهجرة الأفكار عَبر الزمان والمكان.