الدكتورة سامية توفيق فى دراسة لمسرحية ( لابينا ولا علينا . و القلب ليس بحجر ) ألكسندر أستروفسكي
مسرح ألكسندر أستروفسكي يحمل هموم المجتمعات ويبث الأمل
ترجمة د. مكارم تعتمد على إبراز القيمة، وتنقل روائع الأدب الروسي للقارئ العربي
دراسة: بقلم الدكتورة . سامية توفيق
مسرحيات لابينا ولا علينا , والقلب ليس بحجر للكاتب الروسي ألكسندر أستروفسكي من ترجمة د. مكارم الغمري والصادري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016م، يتميز بأنه يحمل هموم المجتمعات العربية، ويبث الأمل في نفوس المحبطين، وأهم ما يميز دور المترجمة انها تسعى إلى إبراز القيمة، وتحرص علىة نقل روائع الأدب الروسي للقارئ العربي.
يُعد الكاتب المسرحي الروسي ألكسندر أستروفسكي (1823- 1886) من كبار الكتاب، وله مكانة عظيمة فى تاريخ الأدب الروسي والعالمي، ومن أهم أعماله مسرحيتي “لا بينا ولا علينا” و “القلب ليس بحجر” ، ترجمة وتقديم د. مكارم الغمري. إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016م، ضمن الألف كتاب الثاني.
ومن الجدير بالذكر أن للترجمة فضل عظيم فى نقل الثقافات والحضارات بين الشعوب، لأنها على مر الأزمنة والعصور كانت بوابة لعبور الفن العريق، ووسيلة فعالة للتقريب بين الشعوب مع بعضها البعض، وتعتبر الترجمة فن مستقل بذاته يعتمد على الإبداع الحسي، واللغوي.
وقد وردت كلمة الترجمة العربية الأصيلة فى اللغات الآرامية، والعبرية، والحبشية، ومعناها تفسير الكلام ونقل النصوص والأعمال المكتوبة من لغة إلى أخرى مساوية لها. وهى بالدرجة الأولى فعل ثقافي وأداة للتواصل بين شعوب العالم. وتعتبر النافذة لمزيد من الإنجازات والتفاعلات. وقد تميزت الشعوب التي ركزت على الترجمة بإلإزدهار والتقدم.
فقد أسهمت الترجمة كظاهرة من ظواهر النشاط العلمي فى الحفاظ على التراث الحضاري، والثقافي للبشرية بصفة عامة وللشعوب بصفة خاصة، وتبلور هذا الدور بصورة أكبر فى عصرنا الحالي، فبرز التفاعل المستمر والمباشر بين مختلف الثقافات واللغات عبر قنواة التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا الحديثة.
تقترن حركة الترجمة بتاريخ البشرية، فمنذ القدم وفي مصرنا العزيزة، جاءت النقوش المكتوبة باللغتين فى جزيرة فيلة قرب أسوان عام3500 ق.م؛ كدليل حضاري على ممارسة هذا العلم اللغوي، وفي العصر الحديث عام 1882م عرف العالم بعضًا من تاريخ مصر عندما تم فك رموز حجر رشيد، بواسطة العالم الفرنسي فرانسوا شامبليون.
دور المترجم:
يجدر بنا أن نقول أن الدور العظيم للمترجم، هو نقل التراث الحضاري من لغة إلى أخري، ويمكن لنا أن نلمس هذا الدور عبر ما قامت به د. مكارم الغمري ، لنشر الثقافة والمعرفة؛ فدورها كمترجم يتكامل مع دورها كأستاذ للأدب الروسي، فقد جمعت بين الصفة الكاديمية كعميد أسبق لكلية الألسن- جامعة عين شمس، وبين روح المترجم العاشق للفكر والأدب.
ويمكن التعرف عليها كمترجم من خلال ترجمة مسرحيتي “لابينا ولا علينا” و “القلب ليس بحجر” وسابقًا ترجمة مسرحية “الغابة” ضمن سلسلة المسرح العالمي فى الكويت عام 1984م، للكاتب المسرحي الروسي ألكسندر أستروفسكي (1823- 1886)، الذي يعتبره الروس والعالم – شكسبير روسيا.
نبذة عن الكاتب:
يجدر بنا التنويه إلى أن الكاتب المسرحي الروسي ألكسندر أستروفسكي. ينتمي إلى الكتاب المسرحيين الكلاسيكيين. ويبلغ رصيده المسرحي نحو 47 مسرحية، و قد كرس الأديب الراحل حياته ونشاطه الأدبي لخدمة المسرح الروسي، وكان يرى أن المسرح هوأساس تقدم الأمم. ولا يمكن لأمة متقدمة أن تكون بلا مسرح وطني يستمد نصوصه من واقع البيئة والمجتمع. ومن أشهر مسرحياته: “العاصفة الرعدية” (1859) وهي تعتبر جوهرة مسرح أستروفسكي، و”أميرة الثلج” (1873) إستلهمها من الحكايات الشعبية، وكتب موسيقى لها الملحن الروسي ريمسكي كورساكوف، و”العروس الفقيرة” (1878)، و “الفقر ليس عارًا” (1853)، و “وظيفة مرحة” (1871)، وغيرها.
لم يتوقف دور أستروفسكي عند التأليف فقط، فقد قام بترجمة أكثر من 20 مسرحية عن اللغتين الإيطالية والفرنسية. و’ترجمت الكثير من مسرحياته إلى لغات عديدة فى العالم ومنها إلى العربية.
يقوم مسرح أستروفسكي على تصوير الواقع ووصف الشخصيات وإرتباطها بالبيئة. ويجسد الوضع الإجتماعي فى روسيا القيصرية آنذاك. وغالبًا ما يكون الصراع الدرامي فيها ما بين العلم والجهل، وسعة وضيق الأفق، والرغبة فى حياة حرة منفتحة. لقد كان يتناول في مسرحه حياة فئات مختلفة من التجار والنبلاء المحليين. وشخصية التاجر لها تواجد كبير فى أعمال أستروفسكي. وهو ما نراه فى التاجر الثري تيت تيتيتش بروسكوف فى “لابينا ولا علينا”، والتاجر الثري العجوز بوتاب بوتابيتش كاركونوف فى “القلب ليس بحجر” محور حديثنا.
ويسمي أستروفسكي معظم مسرحياته بالكوميديا. وهو لا يعني الضحك والملهاه، لكن يقصد الوصف الصادق للشخصيات الممثلة فى المجتمع والكشف عن جوانبها فى الحياة.
مسرحية لابينا ولا علينا:
ومسرحية “لا بينا ولا علينا” مسرحية كوميدية من فصلين، وتقع فى 165 صفحة من القاطع الكبير، هى صراع حول مستند من كتبه ولماذا ولمن.
والمسرحية لها مضمون آخر يكمن فى باطن وجدان الكاتب المسرحي أستروفسكي “لا تتدخل فى مالا يعنيك”. وقد تم صياغة المشروع المسرحي بالروح الروسية، وقد برز ذلك عندما استخدم المؤلف الأمثال الشعبية كعناوين لمؤلفاته المسرحية ومنها ما يقابل المثل المصري: “إن كنتم إخوات إتحاسبوا”، ولأستروفسكي مثل شعبي آخر فى المسرحية “العلم نور والجهل ظلام”،
ومن خلال سرد أحداث مسرحية “لا بينا ولا علينا”، نجد كيف تدخلت الأرملة أجرافينيا بلاتونوفنا صاحبة الدار التى يقطنها آل إيفانوف بإستكتاب مستند على إبن التاجر الثري، يتعهد فيه بالزواج من إبنة المدرس “أنا إمرأة نارية سأتدبر الموضوع لو أعطيتني موافقتك (ص 12) وهكذا سنورطه (ص 27). وإيفان “أنا لا أستمع إليها (ص 29)، عندما رفض إيفانوف صفقة المستند.
تطرح المسرحية، الحالة البائسة للعلم و للمعلمين من تحقير وعدم إحترام: “لو أنهم أبدوا عل الأقل إحترامًا مقابل جهدنا الشريف”، “نقدم الفائدة للناس تقريبًا بلا مقابل ويحتقروننا” ص 30. ويعتبرون المال والجاه هما السلطة والتحكم فى كل شيئ حتى إهانة البشر، أما التعليم فلا جدوى منه. وهذا ما نفذه التاجر الثري تيت تيتتتش من حرمان إبنه من التعليم ، فقد سلب الأب إرادة ولده من خلال ممارسة النفوذ والجبروت، وامتد هذا التسلط على على الأسرة وكل المحيطين.
وتبدو ذروة الصراع المسرحي في تبدل موقف التاجر الأب، فقد تأكد من نزاهة وأخلاق المدرس إيفان، الذى لا يعير المال أدنى إهتمام، فقد كان كل اهتمامه المعلم هو القيام بدوره التربوي في تعليم الشباب، فيعدل الأب عن رأيه فى تزويج إبنه من إبنة المدرس الفقير بالمال، الغني بالعزة والكرامة.
مسرحية القلب ليس بحجر:
وفي مسرحية “القلب ليس بحجر”، المكونة من أربعة فصول، يدور الصراع فيها حول الإرث وإلى من يئول. هنا نجد التاجر الثري كاركونوف وقد أراد أن يوزع ثروته في حياته … وله إبن أخ كونيستانتين لوكيتش كاركونوف الوريث الوحيد له. وهو يعتمد كلية على مال عمه ولا يسعى لحياته، “عمي يجب أن يترك لي الميراث، أنا الوحيد…إذا لم يترك لي عمي …وقد أقع في عداد المعدمين…” (ص 77).
كانت لهذا الثري العجوز زوجة ’تدعى فيرا فيليبوفنا تصغرة بسنوات عديدة، فقيرة أرادت حياة أفضل لنفسها وتلبية لرغبة أمها. ودفعت الثمن غاليًا عاشت، كطائر محبوس فى قفص، تتلظى بنيران الغيرة بين جدران قصره، ولمدة خمسة عشرة عامًا لا ترى فيه النور بسبب غيرة الزوج غير المبررة. فقد كانت موسكو من وجهة نظر الزوجة مبهمة كالغابة؛ لا تستطيع التحرك فيها. ولا تعرف إلا طريق الكنيسة وحمام البخار. وخلال هذه الأعوام كانت سلوتها الهدايا التى يغدقها بها زوجها العجوز من فراء وملابس ومجوهرات، لقد تعودت أن تعيش وتتعايش معها. لأن الزوج العجوز يتركها وحدها ويسهر حتى الصباح ويتجلى ذلك في قوله: “أشعر بالملل معك، سأذهب لألعب الورق” (ص84).
هنا وصف المؤلف أستروفسكي شعور الزوجة فيرا وهى وحيدة تري موسكو من النوافذ وتسمع إنسياب هديرالمطر وضجيج العجلات، وصف بديع من الكاتب للمحروم وهو يعيش فى التخيلات.
وفيرا شخصية عطوفة محبة للخير. ليس عندها أية خبرة فى الحياة. حاولت أن تمنح الحب لزوجها، لكنها لم تستطع بسبب فارق السن والمستوى الإجتماعي. لقد كانت الزوجة الصغيرة كالقديسيات فى التحلي بالخلق الكريم والتسامح. أنقذها الله من مكائد المخادعين و الطامعين فى الثروة والمال (يراست مستخدم متجر كاركونوف، الذى أراد أن يغويها إلى الحرام، وكونستانتين لوكيشن إبن أخ زوجها الشره إلى إغتصاب المال بوسائل التهديد والقمع).
وأخير قرر الزوج العجوز أن يهب كل ثروته للزوجة الصغيرة؛ لأنه يعرف أنها لن تبخل فى التصدق على الفقراء فى حياته وبعد وفاته، بشرط ألا تتزوج من بعده أحد، وبعد أن ثار الزوج وهاج وماج، وبعد أن تيقن من طهارة وصدق زوجته، قرر تركها وشأنها لتفعل ما تريد بعد وفاته.
تمثل هذه القصة لمحة إنسانية مطروحة فى الحياة بكل جوانها، وقد إستطاع المؤلف أن يبرزها على المسرح، وإن لم تجد إقبالًا مثل الأخريات لذات السبب. والمسرحية الأولى.
العلم بوابة النور:
يطرح الكاتب قضايا كثيرة ومتعددة فى مسرحيتيه كانت قد أثارت الرأي العام فى روسيا أبان الحقبة الزمنية وحتى نهاية القرن ال19 وتشغل فى ذات الوقت الدول العربية والإسلامية وحتى يومنا هذا بصور متفاوته. ففى مسرحية “لابينا ولا علينا” يطرح المؤلف حال المعلم والتعليم، ويفتح المجال لحركات التنوير فى عصره، ليدافع بمسرحه عن قيمة التعليم ومكانته فى المجتمع.
كذلك طرح المؤلف قضية تحكم الأباء فى مصير الأبناء، وعدم إعطائهم الحق فى إختيار العروس وتمييز الثرية الجاهلة على الفقيرة المتعلمة، لقد فسر النص أن الأنانية في الأب كانت بسبب حرمان الأب من التعليم فى الصغر، لقد أثبت الفضاء المسرحي للأب الجاهل الثري أن العلم هو بوابة النور.
الصراع على الثروة:
في مسرحية “القلب ليس بحجر” طرح المؤلف قضايا الميراث، وما تخلفه من مشاحنات ومهاترات بين أفراد العائلة الواحدة وما يشرعة الدين والقانون.
وهذه القضية إن كانت روسية في النصإلا أنها عالمية في واقع الحياة، فما زالت المكائد من أجل المال قائمة بين الناس بعضهم البعض. ومازال إستغلال الفقراء هو مهنة الأقوياء، اللذين يتلذذون بأعمال الشر والسرقة والنهب. مقابل إغواء الشباب وإغرائهم بالملذات.
ومثل هذه القضايا كثيرًا ما نقابلها فى المجتمعات العربية والإسلامية وبالأخص زواج القاصرات والفتية الصغار قبل السن القانونية. وما يترتب عليه من مشاكل فى الأسرة الواحدة والمجتمع لعدم النضج من الناحية العاطفية والإجتماعية والجسدية والعقلية. كل ذلك أدى إلى ضياع فرص تطوير الذات.