بقلم : زينة محمد الجانودي
المفهوم الإنساني كما ورد في المعاجم اللّغويّة، مأخوذ من كلمة إنسان، ومعنى الإنسانيّة اصطلاحا، هي مجموعة الصّفات والخصائص التي تجمع بين جميع النّاس.
والإنسانيّة هي رسالة الإسلام وجميع الأديان السّماويّة، لأنّها ركّزت على قيمة الإنسان وعلى بنائه وإصلاحه كي يكون إنسانا بالمعنى العميق للكلمة، ولا يتخلّى عن إنسانيّته.
ورسالة الإنسانيّة نعيشها روحا وعقلا وفكرا في رسالة النّبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أرادها الله تعالى لنا، وهي العيش بوحدة بالرّغم من اختلافنا وتنوّعنا، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم{ إنَّ هذِهِ أمَّتُكُمْ أمْةً واحدةً وأَنا رَبُّكُمْ فاعْبُدونِ} [ سورة الأنبياء، الآية : ٩٢].
والحسين عليه السّلام هو قطعة من رسول الله وخطّ مكمّل لرسالته، ونموذج في هذه الوحدة، فهو إمام الإنسانيّةالذي يجمع كلّ المسلمين على محبّته وتعظيمه ومعرفة فضله.
إنّ المسلمين كلّهم يرون بأنّ “الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة”، ويرون جميعا كلمة رسول الله ” حُسينٌ منّي وأنا من حُسين، أحبَّ اللهُ من أحبَّ حسينا”.
وأهميّة الوحدة الإنسانيّة ظهرت من خلال شعارات الإمام الحسين التي أطلقها، والتي يدعو فيها إلى ترسيخ قيم إنسانيّة فاضلة وسامية كالمحبّة والرّحمة والعدل والمساواة، فقد كان القدوة والمعلّم في مسيرة الخير والتّنمية والدّعوة لمعاني الشّرف والبطولة والفداء وحقوق الإنسان، بالعيش بأمن وأمان والتمتّع بحريّة الفكر والعقيدة وإبداء الرّأي، من أجل حياة كريمة أفضل للإنسان، ومن أجل حفظ الممتلكات الإنسانيّة، بعيدا عن الذلّ والهوان، فشخصيّة الإمام الحسين هي بحدّ ذاتها نهضة إنسانيّة بجميع أهدافها وأبعادها، شخصيّة مليئة بالمواقف الإنسانيّة، فقد تعامل مع العبيد الذين كانوا ينظرون إليهم في ذلك الزّمان نظرة عنصريّة كما كان يتعامل مع أهل بيته وأبنائه، كما كان يُحْسن إلى الخصوم ويتعامل معهم بكلّ إنسانيّة، وكان رحيما بأعدائه فقد أسقى من وقع منهم بالأسر في معركة كربلاء وأسقى خيولهم لأنها كانت عطشى.
الإمام الحسين عليه السلام هو نهضة عالميّة تصحيحيّة خالدة لكلّ الأجيال ولكلّ الفئات، وليست لبقعة جغرافيّة محدّدة أو لفئة محدّدة من النّاس، وقضيّة الإمام الحسين هي قضيّة الإنسان، وقضيّة الأنبياء والرّسل، وثورة الإمام الحسين التي استشهد من أجلها هي حدث متجدّد في تاريخ الإنسانيّة، التي تضمن مبدأ كرامة الإنسان، ومنحه حق المطالبة بحقوقه، فثورته لم تكن لجمع المال والبحث عن الجاه والترف، بل كانت للشّعور بالمسؤوليّة تجاه الدّين والحقّ والإنسان، والخوف على مصير الأمّة ووحدتها، ثورته وشهادته كانت بهدف الإصلاح و وأد الفتنة، وضدّ الفساد والطّغيان، ولتنقية الرسالة الإلٰهيّة من الشّوائب وتقويم الإعوجاج، واستئصال الحكم الظّالم كي تعلو كلمة الحقّ وتعيش الأمّة معزّزة مكرّمة، وينتشر الخير في سائر أرجاء الأرض، لأجل كلّ هذا قامت ثورة الحسين واستشهد من أجلها، كما قال الإمام الحسين عليه السلام ” إنّي لم أخرج أَشِرا ولا بَطرا ولا مُفْسِدا، ولا ظالما، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريدُ أن آمُرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيْر جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب”.
فلنتأمّل ونتفكّر جيدا في معاني هذه الثورة وهذا الاستشهاد كي نفهم الحقائق الحسينيّة، ونطبّقها في حياتنا.