تيقن النظام الايراني ومنذ بدايات تأسيسه، بأنه من الصعب جدا أن يفرض نفسه کأمر واقع على الشعب الايراني من خلال إتباع الطرق والاساليب التقليدية، خصوصا وإنه لم يکن صعبا على الشعب الايراني أدراك التشابه الکبير بين هذا النظام وبين سلفه من حيث ماهيتهما الدکتاتورية وعدم إيمانهما بالديمقراطية والحرية، ولذلك فقد أولى ويولي هذا النظام أهمية إستثنائية للأجهزة القمعية ويحرص على أن تکون دائما بالمستوى اللازم والمطلوب ولا ينقصها شئ.
الرفض الشعبي للنظام وعدم تقبل أفکاره ومبادئه التي تسعى لفرض نظاما شموليا ثيوقراطيا من خلال إستخدام وتوظيف الدين، قابله النظام بطرق وأساليب ولعب مختلفة والملفت للنظر إن النظام ومنذ البداية وتحديدا بعد القطيعة والمواجهة التي جرت بينه وبين منظمة مجاهدي خلق، ولأن لهذه المنظمة تأريخ حافل في مواجهة وإسقاط النظام الملکي الدکتاتوري السابق، فقد حرص والى أبعد حد على خلق حاجز وجدار بينها وبين الشعب وذلك من خلال شن حملات مختلفة ضدها هدفها الاساسي التشکيك بالمنظمة
وجعل الشعب ينأى بنفسه عنها.
المساعي المشبوهة للنظام من أجل التعامل مع کبح جماح تطلعات الشعب للحرية والديمقراطية من جانب ومحاولة خلق وإيجاد حاجز وجدار بين الشعب ومجاهدي خلق، کان ولازال يمثل المعادلة المعقدة التي يسعى النظام جاهدا لتحقيقها على أرض الواقع، والملفت للنظر هنا بل وحتى الجدير بأخذه بنظر الاعتبار
والاهمية، إن النظام کان يحرص أيما حرص على أن يصور کل تحرك ونشاط شعبي معارض له في مختلف الصور ماعدا کونه ذو طابع سياسي، وهذا الامر قد دام للنظام وفي ظل سياساته ونهجه القمعي
التعسفي وحملاته المستمرة على مجاهدي خلق حتى أواخر عام 2017، حيث حدثت المفاجأة الصادمة للنظام والتي أصابته بحالة من الهستيريا والجنون، عندما إندلعت إنتفاضة 28 ديسمبر2017، والتي
أکدت وأثبتت شعاراتها وکذلك الدور البارز للمنظمة فيها والتي وصلت الى حد إن خامنئي وللمرة الاولى إتهم المنظمة رسميا بکونها وراء الانتفاضة، بأنها إنتفاضة ذات طابع سياسي وبإمتياز.
مشکلة النظام العويصة هنا، إن الطابع السياسي للصراع والمواجهة الشعبية ضده لم تقف عند حدود هذه الانتفاضة بل إنها إمتدت الى الانتفاضتين اللاحقتين ولاسيما وإن الانتفاضة الاخيرة التي إستمرت لعدة أشهر کانت إضافة الى طابعها السياسي فإنها إتسمت أيضا بطابع فکري، ليرسم الصراع والمواجهة الشعبية القائمة مع النظام خطا وبعدا سياسيا ـ فکريا واضح المعالم، بحيث يٶکد بأن رفض النظام لم يعد
عشوائيا وغير منظما وليس له من رأس، وهذا بحد ذاته صارت حقيقة مرة کالحنظل لم يعد هناك من مناص على النظام أن يتقبلها ويتجرعها رغما عنه، والحقيقة الاکثر مرارة من ذلك إن النظام لم يتمکن وخلال مواجهته وقمعه لثلاثة إنتفاضات عارمة ضده من القضاء على الاسس والاعتبارات التي إنطلقت من خلالها وهو ما يعني بأنه قد أصبح للرفض الشعبي جذور ليس من الصعب بل وحتى من المستحيل إجتثاثها حتى حسم الصراع!