الشيخ محمد محمد غنيم
يزْعُم بعضُ المستشرقين أن الحجَّ من بقايا الجاهليةِ
فما هو الفهم الصحيح لمناسك الحج؟
هناك أمور يجب أن تَعِيها تمامًا ـ في مجال العقيدة ـ
وهي أن الإنسانيةَ بدأت مؤمنةً موحدةً،
تلتزم منهج اللهِ الذي أتَى على لسانِ آدمَ أبي البَشَرِ،
ثمَّ توالتِ الرسالاتُ الإلهيةُ توضح الحقَ وطرائقَ الخيرِ،
كلَّما تباعَدَ الناسُ وتشاغلُوا بمُتَعِ الحياةِ الرخيصةِ، قال الله تعالى:
(إنَّا أرْسَلْنَاكَ بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا وإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاَّ خلاَ فيها نذيرٌ) (فاطر: 24).
ومن المقطوعِ به أن المنطقةَ العربية ومكَّة ـ على وجه الخصوص ـ
قد عرفت شريعةَ إبراهيمَ وشريعةَ إسماعيلَ،
وأن الحَجَّ هُوَ مِلَّةُ إبراهيمَ الذي بنَى الكعبةَ ورفعَ قَواعِدَها مع ولده إسماعيلَ، عليهما السلام. قال الله تعالى:
(وعهِدْنَا إلَى إبراهيمَ وإسماعيلَ أنْ طهِّرَا بيْتِيَ للطائِفِينَ والعاكفينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125).
مع تطاول الزمن وتباعد العهد بدأ الناس يبتدِعون في دين الله
وأَغْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فحَرَّفُوا وبَدَّلُوا فوَضَعَ العربُ الأصنامَ فِي جَوْفِ الكَعْبة،
وطاف البعضُ منهم وهم عراة، وحرَّمُوا على أنفسهم مآكلَ ومطاعمَ قَدِمُوا بِهَا من خارجِ الحَرَمِ ومنعوا المحرم أن يدخلَ دارَه من بابها المعتاد..
وغير ذلك كثير، فلما جاء الإسلامُ محَا آثارَ الجاهليةِ
فحطَّمَ الأصنامَ وأصبحَ المبدأُ الإسلامي لا يطوفُ بالبيتِ عُريان،
وقال الله تعالى:
(وليسَ البرُّ بأنْ تأتُوا البيوتَ منْ ظهورِها ولكن البرَّ منِ اتَّقَى وأْتُوا البيوتَ منْ أبوابِها واتقوا اللهَ لعلكم تُفلحونَ) (البقرة: 189).
والحج تشريعٌ إلهيٌّ على لسانِ رسلِ الِله،
وليس بدعةً اخترعها الوهمُ العربيُّ في جاهليته.
وللحج حكمةٌ بالغةٌ تعْجَزُ عنها أقلامُ الباحثينَ،
ويكفي فيها على المستوى الفردي التَّجردُ من حُطَامِ الدنيا والإخلاصُ لله وحده،
وصفاءُ القلبِ واستشعارُ الملأ الأعلى،
وعلى المستوى العام التعارفُ الإسلامي والتقاءُ كافةِ المسلمينَ
وأهلُ الفِكْر على كلمةٍ سواء؛ هي لبيك اللهم لبيك.