كتبت / دعاء عبد السلام
ثمة انقلاب هادىء ومستمر فى خريطة الكتابة والقراءة لدى الأجيال العربية الشابة فى غيبة الدور التأسيسى لتكوين ذائقة التلقى فى المدارس والجامعات العربية , فأن خريطة الكتابة والقراءة تتغير .
لم تؤهل نظم التعليم العربية طلابها للقراءة والاختيار والتقييم ، بل أصبحت أغلب مكتبات المدارس مهجورة ، وبدأ الكثيرون من باعة الصحف يتحولون الى أنشطة أخرى بعد ان بارت سوق القراءة , وأصبح الشباب ، ونسبة ملحوظة من الأجيال الأكبر يتحولون الى هواتفهم وحواسيبهم لمطالعة الصحف والمدونات الألكترونية ، وأقتصر أصحاب دور النشر على طباعة مائة أو مائتين نسخة من الكتب الجديدة ، ومع أن دور النشر العريقة تحرص على تقاليد الطبع والنشر بالتعاقد مع المؤلف ، وتكتفى باغطائة عشرين نسخة أو أزيد قليلا من هذه النسخ المائة أو المائتين ، وتتولى بيع الكمية الفائضة لحسابها .
سوق النشر شهد مولد الكاتب الهاوى ، والذى يكتفى عادة بنشر انتاجه على صفحته أو فى المدونات الألكترونية بلا تكلفة أو عناء ، وببهجه تلقى عبارات الاستحسان والتأييد من أصدقائه ، وبضربة واحدة استغنى عن الدخول فى تعقيد عملية النشر وأعبائها ، أما الكتابة الأيسر ماديا فيخوض مغامرة النشر الورقى على نفقتة لينضم الى طائفة الكتاب ، وتسعون بالمائة مماينشر لايلفت النظر غالبا على المستوى النقدى ، وأن كانت الأجيال الجديدة قد مارست قطيعة مع الاسماء الكبيرة ، فلم يعد جمال الغيطانى ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وفتحى غانم يخطون باقبال من قبل القراء ، فى حين أقبل الشباب على اقتناء وقراءة انتاج الأجيال الجديدة من الكتاب الذين يقدمون سلعة مبهرة من الأدب الغربى أوالبوليسى أو الجنسى ، يلقى أقبالا معقولا من الشباب ، بل اصبح منتجو السينما يلتفون الى هذه الروايات فيحولونها الى أفلام سينمائية كما حدث مع كتاب فى الجيل الثلاثينى أو الاربعين من العمر مثل أحمد مراد مؤلف ” الفيل الأزرق ” و ” فريتيجو” , ” تراب الماس ” والتى تحولت الى الشاشة الصغير أو الكبيرة أو محمد صادق صاحب ” هيبتا ” .
أنصرف الشباب عن أنتاج الكتاب الكبار الى أولئك الصاعدين الذين يمتلكون الخلطة السحرية وكأنهم يقرأون كما يأكلون وجبات المطاعم الجاهزة التى تحرص على تقديم المذاق الشهى ، وتمتلك الخلطة السحرية فى أطباقهم .
سمحت شبكات التواصل الاجتماعى بدخول عشرات الآلاف الى سوق النشر بلا تقديم أوراق أعتماد حقيقية ، واجتذبت هذه الشبكات المبتدئين من الجنسين ، وفتحت لهم آفاقا أكثر حرية من المدرسه والجامعة ودار النشر ، وشروطها الصعبة عليهم .
أكتب وأنشر فورا سوف تجد القارىء المجانى الذى يقرأ مايكتبه على صفحتك أو مدونتك بلا عناء ، ومن هنا تم الاستغناء عن الوسيط النقدى والذى لم يبرح مكانه غالبا ، وان بدا البعض منهم يلتفت الى كتابات الجدد مثل صلاح فضل وعلاء الديب كمثال والى أن تحقق الأجيال الشابة أستقلالها الحقيقى بأفراز نقادها من بين صفوفهم لم تعد دور النشر تربح من نشر مؤلفات الاجيال الشهيرة ، وأن كانت الأجيال الأكبر سنا من عمر الخمسينات والستينيات تحرص على متابعة النشر لنجيب محفوظ واجياله اللاحقة ، الا ان أجيال القراء الاحدث سنا لايلتفتون غالبا الى هذه الأسماء الكبيرة ، وأصبحت معارض الكتب تقام فى التجمعات الشبابية داخل الجامعات وخارجها تعرض ثلثى انتاجها للكتاب الجدد ، وأن كانت بعض الاسماء من أدباء السبيعينات تحظى باقبال معقول ” محمد المنسى قنديل وعلاء الاسوانى وأبراهيم عبدالمجيد كمثال ” بالاضافة الى أسماء غير محلية كاحلام مستغانمى والتركيه أليف رشاخان وباموك. تتسع مساحه القطيعة بين أجيال الشباب وبين الاجيال الأكبر ، وأصبح الشباب يكتب ويقرأ لبعضه البعض مع سهولة الدخول الى الخبر العام لاستهلاك الأدب ، وهو مايضفى صفة الهواة على الطرفين لاحظ أننى أتحدث عن خريطة النشر والقراءة فى مصر ، ولا أعتقد أن الظاهرة تختلف كثيرا فى أقطار آخرى مع أختلاف الأسماء أنة سوق الهواء بأمتياز يؤسسون جمهورية الاستقلال عن وصايا الكبار أبداعا ونقدا وذائقة