الاقتصاد

التسويق والتحديات الجديدة لصناعة التمويل الأصغر

اعداد _دكتور اشرف المهندس

قال الدكتور. معاذ على فرماوى المدير التنفيذى للفروع الدولية لمؤسسة باب رزق جميل

في بداية صناعة التمویل الأصغر، كان من الطبيعى أن تركز منظمات التمويل الأصغر بشكل أساسى على بناء عملیات ائتمان قویة ، ولذلك خصصت مواردها المالية والبشرية وجل وقتها للائتمان فقط ، ولم يكن هناك دوراً يذكر لوظيفة التسويق وسواء كان ذلك صحيحاً أو خطئاً أنذاك، فإن الخطأ الأكبر هو تجاهل هذه الوظيفة الهامة الآن خاصة مع ما طرأ علي السوق من متغيرات أنشأت تحديات جديدة تواجه منظمات التمويل الأصغر ، وأهمها المنافسة الشرسة والتى زادت حدتها مع تنظيم سوق التمويل الأصغر وتشجيع الدخلاء الجدد ، ووجود نوافذ جديدة دفعت الكثير من منظمات التمويل الأصغر إلى عمل مراجحة تنظيمية ، وقد أنشأ ذلك تحدياً آخراً وهو الوصول لعملاء أكثر إنتقائية ، وقد أثر ذلك سلباً بزيادة معدلات تسرب العملاء ، إضافة الى ما هو أسوء بإنخفاض معدلات الإقتناء للعملاء الجدد.
ولذلك يجب على منظمات التمويل متناهى الصغر أن تتجه وبشكل عاجل إلى إستخدام وتوظيف تقنيات التسويق ، فكل يوم تتأخر فيه هذه المنظمات عن إستخدام هذه التقنيات سيزيد الأمر صعوبة ، بل ستكون هناك شكوك قوية في إمكانية بقاء هذه المنظمات أو على الأقل استدامتها في سوق بدأ يتشكل بشكل مختلف وبدأت قواعد التعامل مع العملاء تختلف ، وبدأت قواعد إنتقاء العملاء الجدد تأخذ أيضاً توجه تسويقى وليس إعتماداً فقط على قواعد إئتمانية كانت ثابتة ومتعارف عليها ، ومن المخاطر الأخرى لهذه المنافسة والتى قد تؤثر سلباً على السوق ككل سعى المنظمات الجديدة إلى جذب وإستقطاب عملاء المنظمات القائمة بدلاً من جذب عملاء جدد لسوق التمويل الأصغر وذلك رغم أن الطلب ما زال يفوق العرض، وهذا ينذر بكارثة الإقراض المتعدد وبشكل يمثل خطورة على إسترجاع القروض ، وفى حالة إستمرار هذه الظاهرة قد يسقط سوق التمويل الأصغر بالكامل وتتكرر الأزمة المغربية ، ولذا يجب أن تتدخل الجهات التنظيمية والرقابية قبل أن تتفشى الظاهرة ويصعب السيطرة عليها.
إن أهم ما سوف تجنيه منظمات التمويل الأصغر عند إستخدام التسويق وتقنياته هو مساعدتها في أن تحدد وتتوقع وتلبي متطلبات العملاء وبشكل مربح لها ، كما يمكن لممارسات التسويق أن تؤدى لزيادة كبيرة في معدل جذب والحصول على عملاء جدد ، إضافة إلى تقليل نسبة تسرب العملاء القائمين حيث أن الهدف العام المزدوج للتسويق هو جذب عملاء جدد من خلال تقديم القيمة المضافة ، والمحافظة على العملاء القائمين من خلال إرضائهم ، ومما لا شك فيه أن التسويق سيساهم في خلق ثقافة جديدة لمنظمات التمويل الأصغر تركز على العملاء وتعزز العلاقة معهم وهى ما تحتاجه هذه المنظمات بشكل ملح الأن ومتزايد في المستقبل.
ومن خلال التسويق يمكن لمنظمة التمويل الأصغر تحديد المشاكل التى تواجهها وتصميم وتنفيذ الإستراتيجيات المناسبة لمواجهة هذه المشاكل ومتابعة النتائج ، والوصول للعملاء وتنمية قاعدتهم و التوسع في أسواق جديدة ، وسيضمن تصميم الآليات التي تمكنها من فهم ما يحتاجه العملاء ويريدونه ، فعلى الرغم من أن منظمات التمويل الأصغر لديها إتصال مادي وثيق وجيد مع عملائها، لكنها غالباً تعانى من عدم وجود نهج منظم للإستماع إلى عملائها ، وستساعد الميزة السابقة على تحقيق ميزة أكثر أهمية وهى التجاوب مع إحتياجات العميل حيث يضمن التسويق أن تهتم المنظمة بإحتياجات العميل وتحقيقها عند كل نقطة يتخذ فيها أى قرار، وهذا سيضمن الإحتفاظ بالعملاء بشكل جيد وبقائهم موالين لها وهو الهدف الأساسى والأكبر للمنظمة ، وبذلك يمكن تحقيق ما تسعى إليه منظمات التمويل الأصغر من إعتبارعملائهم أعظم أصولهم مع أهمية الحفاظ على هذا الأصل كركيزة أساسية في مواجهة المنافسة من خلال الوصول إليهم وفهم احتياجاتهم وتحقيق رغباتهم وكسب ولائهم.
ومما لا شك فيه إن بناء القدرة التسويقية لمنظمة التمويل الأصغر مثل غيرها من المنظمات يتوقف على صحة قرارات إختيار مدير التسويق ، بإعتبارأن هذه الوظيفة من أهم عناصر نجاح منظمة التمويل الأصغر حيث سيقوم بتطوير إستراتيجية التسويق من خلال أليات كثيرة أهمها تنفيذ وسائل إتصال فعالة والتعاون مع الموظفين الميدانيين لتنفيذها ، كما سيقوم بخدمة وإرضاء العملاء ، ومن أهم الاليات المتبعة في ذلك تطوير وتنفيذ مبادرات خدمة العملاء ، وإجراء بحوث العميل الدورية لتقييم رضا وإحتياجات العملاء ، و تطوير وتنفيذ قياسات رضا العملاء والآليات المستمرة لتأمين الحصول على ملاحظات العملاء ، وتحليل وتقييم مخاوف العملاء ومشاكلهم والتوصية بالحلول المناسبة ، كما أن من واجباته تدريب وتوجيه العاملين بالمنظمة وخاصة الموظفين الميدانيين حول كيفية الإستجابة بفعالية لإحتياجات العملاء ، ويجب عليه وبشكل دورى رصد معدلات التسرب الشهرية وتصميم إستراتيجيات لتحسين الإحتفاظ بالعميل والوصول الى ولائه للمنظمة.
ومن مهامه الأساسية خاصة مع المنافسة الشرسة وصراع جذب العملاء قيامه بتطوير المنتجات وذلك من خلال دورين أساسين وهما تعديل المنتجات الحالية ، وتطوير منتجات جديدة ، ومن المهام الهامة له تحليل التنافسية وهذا يتطلب قيامه بتقييم منتظم للمنافسين الرئيسيين ورصد الإبتكارات التسويقية للأفكار والإستراتيجيات الجديدة في صناعة التمويل الأصغر.
ويتطلب التسويق في منظمات التمويل الأصغر تفاعلاً مستمراً وعميقاً مع العملاء والتعاون التام مع الميدانيين وموظفي القروض و الفروع ، لذا يجب عليه قضاء وقتاً كافياً في الميدان مع الموظفين الميدانيين ، وهذه نقطة الخلاف الأساسية بين وظيفة التسويق في منظمات التمويل الأصغر والمنظمات الأخرى.
إن ما سبق يؤكد وبقوة أهمية دمج وظيفة التسويق ضمن الوظائف الرئيسية لمنظمة التمويل الأصغر وضرورة دعمها والإهتمام بها ، وهو الأمر الذى يتطلب ألا يقل المستوى التنظيمى لوظيفة مدير التسويق عن المستوى التنظيمى لوظيفة مدير الائتمان.

زر الذهاب إلى الأعلى