الشيخ محمد محمد غنيم
حج بيت الله الحرام فريضة على المستطيع مرة واحدة في العمر، وذلك لقوله تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»،
والعمرة مشروعة باتفاق العلماء، غير أنهم يختلفون في حكمها بين الوجوب والسنة، والاختلاف يضعف القول بالوجوب ويرجح سنيتها،
والحج يكون في أشهر معلومة، حيث تبدأ استعداداته من رمضان وينفذ من بداية الثامن من ذي الحجة حتى رابع يوم العيد غالبًا،
أما العمرة فتكون في جميع أيام العام، وأعمال العمرة كلها ما عدا الإحرام تنفذ في المسجد الحرام،
فبعد الإحرام بالعمرة من الميقات المحدد يدخل المعتمر البيت الحرام فيطوف حول الكعبة سبعة أشواط مبتدئا بالحجر الأسود منتهيا إليه،
ثم يسعى بين الصفا – وهو على يمين الكعبة – إلى المروة سبعة أشواط لينتهي الطواف عند المروة، بعدها يحلق المعتمر أو يقصِّر،
فإن كان ينوي الحج فالأفضل التقصير ويبقى الحلق للحج، وبذلك تنتهي العمرة فيتحلل المعتمر من ملابس الإحرام، ويبقى كغيره من الناس بمكة،
يجوز له كل ما حُظر عليه وقت الإحرام كالعلاقة الزوجية وقص الشعر ووضع الطيب وغير ذلك من الأمور المباحة حتى يوم الثامن من ذي الحجة،
فيُحرِم بالحج من مسكنه بمكة ولا يلزمه الخروج إلى الميقات، ثم يتوجه إلى مِنًى إن أراد أو يتوجه إلى عرفات مباشرة، ويمكن أن يبيت بمكة ويتوجه إلى عرفات صباح يوم التاسع،
فإذا غربت شمس يوم عرفة توجه إلى المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير بعد أن صلى الظهر والعصر بعرفات جمع تقديم، مع القصر في الجميع ما عدا المغرب، فإن أصبح توجه إلى مِنًى ليرمي جمرة العقبة الكبرى،
وهي آخر الجمرات للقادم من المزدلفة وأقربها للحرم بسبع حصيات، ثم بعد ذلك يذبح إن كان متمتعًا ما لم يكن قد دفع ثمن الهدي، ودفع الثمن أنفع للفقراء، ثم يحلق أو يقصر،
وبذلك يتحلل الحاج من ملابس الإحرام، وهو التحلل الأصغر فلا يبقى محظورًا عليه إلا الجماع، ثم يتوجه إلى البيت الحرام ليطوف ويسعى، ويتبقى عليه رمي الجمرات الثلاث في يومين أو ثلاثة،
وبذلك يكون قد انتهى حجه ولم يبق عليه إلا طواف الوداع قبل أن يعود إلى بلده.
وما ذكرناه من مناسك يكفي لأداء العمرة والحج دون نقصان،
لكن كثيرًا من الناس يحلو لهم التزيد في بعض الأمور، وهؤلاء منهم من ربما يُعذر في ذلك، ففي الغالب يكون ذلك من باب الحرص على أداء الحج والعمرة على أتم وجه، أو ربما يكون ذلك بسبب الجهل بأحكام العمرة والحج، أما من يعسِّرون على الناس ممن يصدرون الأحكام من غير فهم لمقاصد الشريعة غافلين أو متغافلين عن أساس مهم من أسس شريعتنا السمحة، وهو التيسير ونفي الحرج على المكلفين، فلا عذر لهم،
ومن هذه الأمور التي يكثر اللغط حولها:
– إصرار البعض على الذهاب إلى مِنًى يوم الثامن من ذي الحجة مع أن أفواج حجاج القرعة من المصريين يتوجهون إلى عرفة مباشرة، وهو صحيح ولا شيء فيه، لأن التوجه إلى مِنًى يوم الثامن والمبيت بها سُنة ولا يضر تركها ولا تؤثر في قبول الحج.
– إصرار البعض على المبيت بالمزدلفة حتى الصباح مع أن قوافلهم تتحرك ليلا إلى مِنًى، وهو ما يترتب عليه كثير مشقة وعناء للمتخلف عن رفاقه، وقد يصعب عليه معرفة مكانهم بمِنًى أو وصوله إليهم، مع أن المبيت بالمزدلفة يتحقق بتأدية صلاة المغرب والعشاء، ولو تحرك الحاج بعد ذلك فلا شيء عليه، وإن كان المبيت إلى الصباح أفضل ما لم يترتب عليه الافتراق عن رفاق القافلة ومشقة الوصول إليهم بعد ذلك.
– التوجه من المزدلفة ليلا إلى المسجد الحرام للطواف والسعي قبل التوجه إلى مِنًى يوم العيد، وهو صحيح ولا شيء فيه، لأن أعمال ما بعد المزدلفة لا ترتيب بينها إلا اشتراط أن يكون السعي بعد الطواف، فما سئل رسولنا – صلى الله عليه وسلم – عن شيء يوم العيد إلا قال: افعل ولا حرج. وإذا كان رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد قال هذا بمِنًى يوم النحر وفيه غالبا يطوف الناس ويسعون، فيكون داخلا في الجواز وإن تقدم الطواف والسعي على أعمال مِنًى.
– إصرار البعض على المبيت بمِنًى وعدم الذهاب إلى مكة إلا للطواف والسعي، ومع أن هذا هو الأفضل، لكن لا حرج من قضاء بعض الليل بمِنًى والعودة للمبيت بمكة لمن شق عليه المبيت بمِنًى، ولا سيما من معه نساء وأطفال قد يتعرضون لمشقات بالغة في حال المبيت إذا لم يكن لهم إقامة مناسبة في مِنًى، وخاصة في الظروف المناخية السيئة.
– الإصرار على رمي الجمرات بعد زوال يوم النحر، وهو وإن كان الأفضل، إلا أن الرمي يجوز في أي وقت من ليل أو نهار، ولا يشترط أن يكون بعد الزوال.
– إصرار النساء وكبار السن على رمي الجمرات بأنفسهم، وعلى الرغم من التوسعات المشكورة في منطقة الجمرات، لكن ما زالت هناك مشقة في وصول البعض إلى منطقة الجمرات، فإن كان الأمر شاقًّا على البعض فلا بأس من التوكيل بالرمي لمن ذهب ليرمي لنفسه من الشباب والقادرين من الرجال والنساء، فيرمي لنفسه ولمن وكَّله، ويمكن ترك الرمي أصلا ويدفع بدلا عنه فدية كالهدي.
– المزاحمة لتقبيل الحجر الأسود أو لمسه مع ما يترتب على ذلك من إيذاء الطائفين، والأمر لا يعدو كونه سُنة تتحقق بالنظر أو الإشارة إليه في أثناء الطواف، وترك ذلك كله لا يضر.
– إصرار البعض على دخول حِجر إسماعيل والصلاة فيه، وهو وإن كان مسنونا، إلا أن تركه في زماننا أفضل، وذلك من باب البعد عن المزاحمة وإيذاء الناس، ما لم يتيسر هذا من دون مزاحمة، وقلما يتيسر ذلك في الحج خاصة.