كتب : عبدالمنعم هلال
عن النظر طويلاَ إلى سقف غرفة نومك فوق سريرك مباشرة…عن النشع فى الحائط العجوز الذى لا ينتهى أبداَ و الشىء الوحيد الذى مازال على وضعه فى حياتك و لم يتغير…النشع الذى تخيلته كثيرا فى صغرك على هيئة أشكال و وشوش بشر و وحوش خرافية تنظر إليك و تخيفك…..عن حضن أمك و لمسة كف والدك الحانية على جبينك أثناء مرضك و عن شعورك بمنتهى الأمان…عن أحاسيس الذنب فى أول مرة كذبت فيها ببراعة و لم يكتشف أحد و لكنك إعترفت للنشع و أخبرته أنك لا تدرى لماذا كذبت ….عن اليأس الذى شعرت يوما و كأنه جبل جاثم فوق صدرك…عن دموعك و نحيبك الذى لم يلحظهما أحد غيره…عن إجترارك لذكريات مؤلمة لطالما حاولت أن تنساها دون جدوى و كان دائما يُذكّرُك بها….عن أول فتاة أحببتها و لم تجرأ على أن تبوح لها بذلك و لكن النشع يعرف ذلك جيدا…عن أحلامك و تخيلك لنفسك و أنت مطرب مشهور و المعجبين و المعجبات يحيطون بك و يتهافتون عليك وأنك ممثل كبير و تحفظ دورا مهما فى فيلمك الجديد و أنك كاتب كبير تناقش قصتك التى نجحت نجاحا مبهرا فى لقاء تليفزيونى و أنك طيار فى طريقك لرحلة إلى بلاد بعيدة تمتلىء ببشر آخرون و بجوارك مضيفة ساحرة الجمال و عن كل الأحلام التى لم تتخطى نطاق فراشك أبدا…عن خوفك الشديد عندما نمت وحدك فى المنزل لأول مرة فى حياتك و تغلبت عليك الهلاوس و جعلتك تعتقد ان هناك من يمشى خارج الغرفة أو أن هناك من يحاول فتح الباب و أن المقبض يتحرك فتدير ظهرك للباب و تغطى وجهك بالغطاء فى ترقب و توتر و لم يضحك أحد عليك سوى النشع…عن دعواتك التى كانت يوما تخلو تماما من أى نفاق أو شكوك أو زيف و عن إبتسامتك الهادئة بعدها وخلودك للنوم فى يقين….عن عاداتك السرية التى لم يراك أحد و انت تقوم بها غيره….عن غصة قلبك فى أول فشل لك فلم تكن تعرف حينها ان الفشل واحد من أنماط الحياة العادية تماما كالنجاح لا يدوم…عن تفاصيل أول قبلة و كيف ظللت تجتّر إحساسها و كيف إرتعش جسمك فى نشوة و أنت تتذكر شعورك…عن أول مرة غبت فيها عن الوعى و شعرت و كأن مؤخرة رأسك تتثاقل و تغوص داخل الوسادة و تستمر فى الغوص للوراء فى شعور لا يوصف و كأن رأسك وحدها أصبحت فى عالم آخر منفصل عن جسدك و عن باقى أطرافك التى أصابها خدر خفيف و لذيذ و تباطؤ أنفاسك و هدوئها و إنتظام ضربات قلبك و شعورك أن سريرك يهتز بك أفقيا للوراء و للأمام فى نعومة كالأمواج و كأنك تسبح بظهرك على سطح الماء…عن أول حالة فقد فى حياتك و كيف نمت و وأنت مازلت تحاول أن تفهم كيف لن ترى هذا الشخص مرة أخرى و كيف حاله الآن تحت التراب فى قبره و بماذا يشعر و تنحدر منك دمعة دون أن تدرى…عن كل حالاتك التى عشتها وحدك تماما و لم يشعر بها سوى ذلك اللعين الذى كان يعرف عنك أكثر من اللازم ذلك العجوز الذى أصبحت ترنوا إليه الآن بعينيك و أنت فى طريقك للنوم فتتخيل و كأنه يبتسم لك فى هدوء و يقول إطمئن يا صديقى أنا مجرد نشع لا أنطق و لن يعرف أحداََ ما أعرفه عنك…أبدا…