اسليدرمقالات واراء

البصرة ……نافذة تاريخ وذاكرة مدينة

كتب : لفته عبد النبى

البصرة مدينة التاريخ والحضارة وحاضرة الخليج وبوابة الشرق ..وملتقى الرافدين دجلة والفرات ..في الآرامية كان اسمها (بصرياثا ) .أما البلاذري فيذكر أن البصرة سميت “بصرة ” لان فيها حجارة سوداء أو حجارة رخوة ضاربة إلى البياض ” .قال عنها خالد بن صفوان وهو يفاخر أهل الكوفة : مدينتنا منابتها قصب وأنهارها عجب وسماؤها رطب وأرضها ذهب . وقال أيضا : نحن أكثر منك صاجا وعاجا وديباجا ونهرا عجاجا . أما الأحنف بن قيس فإنه يقول في البصرة ” البصرة مدينة الصاج والعاج والديباج والنهر العجاج والذهب الوهاج ” .
والبصرة .. قبل الفتح الإسلامي … كانت تسمى ارض الهند .. وهي مدينة مفتوحة تسكنها الكثير من الأقوام .. وتجوب سواحلها .. سفن من الهند والخليج ومسقط واليمن والصين .. وقد كانت الكنائس والأديرة المسيحية تشغل حيزا كبيرا من المدينة .. كما أن دور عبادة اليهود لها حضور في هذه المدينة التاريخية .
البصرة حاضرة التاريخ .. وذاكرة شط العرب ..
والبصرة بعد ألف واربعمئة عام على تمصيرها .. تراجعت بشكل مثير للغرابة… نحن أبناء البصرة .. وحينما نستذكر خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي … يصيبنا احباط شديد ويعترينا خوف من مستقبل لا يسرنا لهذه المدينة الصابرة . كانت البصرة ..واحة للامان والتعايش الاجتماعي بين الأقوام … فقد كان المسيحيون يشكلون باقة ورد زاهية .. وكانت المذاهب المختلفة والأديان المتعددة … تتعايش في إطار الهوية الوطنية .. دون أن يكون هناك سؤال أو استفسار عن الهويات الفرعية …هناك المسلمون كانوا لا يعرفون إلا أنهم مسلمون فقط ..لم نسمع ا ن أهل البصرة .. قد حصل بينهم احتراب طائفي ..ولم نسمع عن خطف شيخ من تلك الطوائف .. لم نسمع عن البصرة إلا أنها مدينة عراقية … وكان شط العرب .. والكورنيش يجمع البصريين ويوحدهم .. شيوخا وشبابا .. نساء ورجالا .. أطفالا وكبارا ..
كان البصريون .. لهم أعياد خاصة توحدهم .. كان الحادي والعشرين من آذار .. يسمى ((عيد الكسلة )).. تجتمع فيه العوائل .. وتكون الخضرة .. هي الجامع الذي يوحدهم .. الخس… بخضرته وسحره ولونه الأخضر اللامع… يشكل الحاضنة التي تلم الشمل وتنثر العطر في صواني الخضرة والشموع المتلألئة ..والاضوية .. تنشر ألوانها الزاهية في فضاءات المكان ..
هكذا كانت البصرة في خمسينيات القرن الماضي وحتى الحرب القذرة التي أشعلتها سلطة البعث في بداية الثمانينات من القرن العشرين … كانت مدينة للسلام والمحبة .. مدينة للطوائف والأديان والمذاهب المتآلفة المتحابة المتآخية .. هكذا كانت .. إنها مدينة النخيل.. والأنهار والجداول .. مدينة الجاحظ والفراهيدي والسياب .. مدينة الهيوة والبلامة وبيادر خير ..
البصرة بعد 2003 تراجعت كثيرا … تراجعت في كل شيء  فقدت سحرها وجماليتها وخضرتها وأنهارها  فقدت كورنيشها وشطها وحدائقها ومتنزهاتها  انحسر الفرح في شوارعها وساحاتها ولكن شارعها الجديد ” شارع الفراهيدي ” الذي اختاره مثقفو المدينة ليكون متنفسا ثقافيا يضاهي المتنبي في بغداد ، يمكن ان يعوض البصرة بعضا مما فقدته في سنوات الحصار وما بعدها ، رغم ثقل هذه السنوات وعمق الفجوة التي حصلت بين ماضيها القريب وحاضرها المأزوم

البصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى