د.محمد أمين جاد
كل سنة بينتحر فى العالم 800 الف بنى آدم كل 40 ثانية فيه واحد فى العالم بينهى حياته كل حالة انتحار نجحت فيه قصادها 20 حالة حاولت الانتحار ولم تنجح.
معدلات الانتحار فى الرجال ثلاث أضعاف معدلات النساء لأنهم بيختاروا طرق أكثر جدية مصر ترتيبها فى معدلات الانتحار 152 من أصل 183 دولة (تقرير منظمة الصحة العالمية 2016).
أنا مش عاوز أعيد وأزيد وأكرر نفس الكلام المتداول على السوشيال ميديا بخصوص الانتحار بس خلونى أتكلم عن الموضوع بعمق شوية أو شويتين علشان نشوف أكتر ونوعى أكتر يمكن نفهم أكتر .
النفس البشرية مش صورة 6×9 ليها بعد واحد أو بعدين النفس البشرية شئ مركب ومعقد للغاية وليها أكتر من مستوى لما يتقال ان أسباب الانتحار هى الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية والإدمان وغيرها إحنا هنا بنتكلم عن مستوى واحد -وان كان هام طبعاً- من أنفسنا اسمه مستوى الأعراض .
لكن فيه مستوى تانى أعمق وأخطر اسمه (معنى الأعراض) اللى هو مش ليه الناس دى بتنتحر لا هو الناس دى عاوزة تقول ايه بانتحارها ايه المعنى ورا إن حد يقرر ينهى حياته إيه تفسير ده ومغزاه..
وهنا فيه بعض المفاجآت..
فيه نظرية مهمة فى تفسير الانتحار بتقول ان اللى بينتحر هو فى الحقيقة مش عاوز يموت نفسه هو عاوز يموت حد تانى حد جواه حد عايش فى عالمه الداخلى حد فى حياته وواقعه الحالى أو الماضى عامله أزمة كبيرة حد تسبب ليه فى صدمة نفسية أو عاطفية أو معنوية مش عارف يتخطاها .
يعنى واحد اتربى فى بيت ضاغط وكئيب مع أم أو أب قاسى جامد متحجر القلب معاملة سيئة وضرب وشخط ونطر فرض رأى وتنشيف دماغ وهى كده يعنى هى كده وأنا أمك/أبوك ولو ماسمعتش كلامى هاكون غضبان عليك ليوم الدين تفتكروا المعاملة دى هاتولد إيه عند هذا الابن غير كمية هائلة من الغضب وكره شديد للحياة والناس ورغبة شديدة فى الانتقام..
واحدة اختزلها أبوها وأمها فى الدرجات والنتيجة والمجموع واختزلها المجتمع فى جسمها ولبسها ومعانيهم الجنسية واختزلها جوزها فى الطبخ والغسيل والمواعين هاتحس بإيه غير بغضب ناحية الأب والأم وكره ناحية المجتمع والناس ورغبة فى الأنتقام من الزوج والزواج واللى اتجوزوا..
المشكلة فين بقى؟ والألم الصعب يجي منين؟
المشكلة هى إن نفسنا البشرية من كتر غلبها وانهزامها وقلة حيلتها بدل ما توجه المشاعر دى ناحية أصحابها بتقوم بالعكس توجهها ناحية نفسها يعنى أول حد يتوجه ناحيته هذا الغضب المكتوم المتراكم هو الشخص نفسه وأول حد يتم كراهيته واحتقاره هو الشخص نفسه وأول حد يتم الانتقام منه هو برضه الشخص نفسه .
تانى يعنى هو يغضب من اللى أذوه بتوجيه غضبه ليه هو وهى تكره اللى قسوا عليها بإنها تكون قاسية على نفسها وهما الاتنين ينتقموا من اللى شوهوهم بالانتقام من أنفسهم ماهم مش عارفين يعملوا إيه حاولوا مرة واتنين عبروا عن اللى جواهم ومانفعش جربوا ياخدوا حقوقهم وماقدروش قاوموا لغاية ما جابوا آخرهم يبقى مافيش قدامهم غير نفسهم تقطعت بيهم السبل إلا إلى داخلهم .
فنشوف اللى بيفشل نفسه فى دراسته واللى بتمسك موس وتشرط جلدها نشوف اللى بيدمن واللى بتدخل فى علاقات مؤذية متكررة بلا نهاية ونشوف اللى بينفجر من جواه فى العالم ويتجنن واللى يبصق البصقة الأخيرة على الناس وينتحر .
آه بجد أحد الرسائل الحقيقية اللى بيوجهها المجنون للعالم هى الانفجار فى وجهه وأحد المعانى العميقة اللى بيقصدها المنتحر هى البصق فى وجه الكل .. الكل بمعنى الكل حرفياً وبدون استثناء..
الانتحار هو الوجه الآخر للقتل ووجهه الثالث هو الجنون .
وده بقى هايقودنا للمفاجأة التانية وهى ان قرار الانتحار مش قرار وليد اللحظة يعنى مش فكرة بتطق مرة واحدة فى دماغ حد ويقوم ينفذها فوراً لا .. قرار الانتحار الحقيقي بيكون متاخد من قبلها بكتير جداً ربما بسنوات وأحياناً منذ الطفولة .
لكنه بيفضل قرار مؤجل ويفضل الشخص فى حالة تفاوض بائس مع العالم فى حالة أخد وعطاء يائسة مع الناس فى انتظار شعاع نور يأتى من أى شق من شقوق الحياة لغاية ما يفقد الأمل أو يفقد عقله أو كليهما .
وينفذ قراره فى لحظة مندفعة قاطعة بنشوفها فى معظم الأحيان على أنها لحظة جنون حقيقية ينفصل فيها الشخص عن العالم ويقطع كل أواصره مع الواقع يتناسى كل من يحبه ويتجاهل كل من يمثل له أى شئ ولا يحسب أى حساب لأى عواقب ولا يفكر فى أى شئ سوى الخلاص .. الخلاص الفورى حتى لو كان مؤلماً حتى لو كان إلى المجهول .
فيه حد بينتحر علشان يأس من الحياة فيه حد بينتحر علشان فقد حد أو شئ غالى عليه .
فيه حد بينتحر علشان ماكانش حاسس ان فيه حد فاهمه فيه حد بينتحر علشان مش عارف معنى لحياته وفيه حد بينتحر علشان ماكانش متشاف ومتقدر من أقرب الناس ليه بينتحر علشان يتشاف تصور ينهى حياته كلها علشان اللى حواليه يشوفوه حتى ولو كان ميت ويحسوا ان وجوده ليه قيمة حتى بعد ما ينتهى .
وبعد ده كله فيه ناس بتعتبر المرض النفسي دلع وفيه ناس بتعتبره ضعف إيمان، وان المؤمن لا يصيبه مرض نفسي فيه ناس بتعتبره مس من الجن أو الشيطان وفيه ناس بتعتبره فضيحة وعار لابد من إخفائه كل ده كلام فارغ.
المرض النفسي حق زى ما المرض الجسمانى حق .
المرض النفسي يصيب المؤمن وغير المؤمن الصغير والكبير الرجال والنساء زيه زى المرض الجسمانى بالظبط .
خلينا بقى نجيب من الآخر:
– الشخص اللى يقول ان المرض النفسي ضعف ايمان شخص جاهل وفاقد للبصيرة وبيتسبب فى زيادة الإحساس بالذنب لدى انسان شايف أصلاً ان وجوده فى الدنيا مالهوش لازمة .
– القرآن والرقية الشرعية والأذكار لا تعالج المرض النفسي زى ما هى لا تعالج الضغط ولا السكر ولا الفشل الكلوى.
– الأعراض والأمراض النفسية علاجها عند طبيب نفسي مش عند لايف كوتش أو معالج بالطاقة.
– لما مهندس يعمل علاج نفسي، مدرس يعمل علاج نفسي، محاسب يعمل علاج نفسي، ده اسمه نصب واحتيال واستغلال لنفوس الناس وما أسهل استغلال نفوس الناس المحتاجة مساعدة.
اسأل الشخص اللى بتقعد معاه عن شهاداته بالتفصيل، ومين المشرف عليه وعلى شغله.
– مافيش جلسات علاج نفسي تتم فى مركز تنمية بشرية، ولا فى كو-ووركينج سبيس، ولا فى مكان عام.
– مافيش شهادة اسمها (استشارى علاقات)، ولا (خبير علاقات أسرية)، ولا (مستشار نفسي) فيه حاجة اسمها طبيب نفسي أو أخصائى نفسي.
– أى طبيب غير نفسي أو صيدلى أو فنى واقف فى صيدلية يقولك اوعى تروح لدكتور نفسي، أو اوعى تاخد دوا نفسي، أو بلاش تمشى فى السكة دى، هو مجرم شريك فى كل حالة انتحار مريض نفسي، وفى كل حالة تدهور مريض نفسي، وفى كل حالة وصمة وهروب من الطب النفسي.
– الفضفضة للأصدقاء أو فى جروبات الفيسبوك أو لأى حد حاطط شعار (أريدك أن تكون حياً) ليست علاج نفسي بل أحياناً أذى واستغلال نفسي.
– مش أى حد يكتب مقال أو جملة أو نصيحة نفسية على النت أو فى فيديو أو فى كتاب بيكون متخصص ومعلوماته صحيحة علمياً للأسف العك فى نفوس الناس بقى زى مضغ اللبان..
وخليكوا فاكرين..
الألم النفسي أشد وأقسي من آلام السرطان..
اللى عنده القلب مش بينتحر اللى عنده الضغط مش بينتحر بس اللى عنده اكتئاب بينتحر .
أكتر عشر أسباب للإعاقة فى العالم فيه منهم أربعة أمراض نفسية .
المجتمع اللى يسخر من المرض النفسي هو مجتمع مريض نفسياً وخابف يتعالج .
الناس اللى بتتريق على المعاناة النفسية هم ناس سيكوباثيين لا أمل فى علاجهم .
الدراما والأفلام اللى بتطلع المريض النفسي أهبل والطبيب النفسي مجنون دراما متخلفة وغير مهنية وغير مسئولة .
المفتون والمدعون بغير علم ولا دين- وما أكثرهم- تسببوا ومازالوا فى بعد الناس عن أنفسهم وعن العلم وعن الدين .
يا كل أب وأم ارحموا أولادكم اقبلوهم زى ما هما حبوهم بدون شروط ولا طلبات وأحكام ولا مقارنات اسمعوهم احضنوهم سيبوهم يقولولكم (لا) بدل ما يكتموها جواهم بطلوا تعاملوهم على انهم ملكية خاصة بيكم .
بطلوا تهددوهم بالغضب والعقوق لغاية لما توصلوهم لليأس من رحمة الله بطلوا تتدخلوا فى حياتهم وقرراتهم واختياراتهم سيبوهم يكبروا ويستقلوا ويجربوا عاملوهم على إنهم ضيوف عندكم خلوهم يفتكروا منكم حسن الضيافة والمقام ماتخلوهومش ينتقموا منكم فى نفسهم .
يا كل طالب وطالبة انت مش الدرجات انتى مش المجموع ولا التقدير ولا النتيجة انتوا وحياتكم أهم من الدرجات والمجموع والنتيجة مهما كانت الضغوط الأسرية المريضة والمجتمعية العقيمة عليكم على الأقل ماتوجهوش غضبكم منهم ناحية نفسكم .
يا كل حبيب وحبيبة وخاطب وخاطبة وزوج وزوجة ماتخنقوش بعض ماتتسلطوش على بعض ماتطلعوش عقدكم فى بعض محدش فيكم أحسن من حد ولا حد تابع لحد ولا حد ليه فوقية ولا أفضلية على حد كفاية أذى واستغلال وتشويه باسم الحب وباسم الخطوبة وباسم الزواج اللى عاوز يكمل مع حد يقبله زى ما هو بدون تفصيل ولا نقد ولا تغيير ولو مش عاجبه زي ما هو يسيبه ويشوف حد على مقاسه بدل ما تعيشوا أعداء تحت سقف واحد وتطلعوا للعالم مزيد من المرضى المشوهين نفسياً اللى يا إما يقتلوا أو ينتحروا أو يتجننوا .
فى الحقيقة مش هالاقى كلام أختم بيه أبلغ من كلام النائب العام المصرى، اللى لا يوصف إلا بكل معانى الاحترام والوعى والمسئولية:
“وتهيب النيابة العامة بأولياء الأمور أن يرفُقوا بالقوارير، أن يمنحوا بناتهم قسطاً من أوقاتهم، أنصتوا إليهن، وشاركوهن آلامَهن وآمالَهن، اطمئنوا وطمئنوهنَّ، وإن وجدتم من فتياتكم أو فتيانكم مرضاً فعالجوهم، فإن المرض النفسي داءٌ كأي داء، لا خجل فيه ولا حياء، والاعتراف به أول أسباب الشفاء، فأغيثوهم بالعلاج والدواء، قبل أن ينقطع فيهم الرجاء.
وتناشد النيابة العامة جميع أطياف المجتمع أن يضعوا الأمر في نصابه، أن ينظروا إلى المرض النفسي كما ينظرون إلى سائر الأمراض، أن يقوا أصحابه شرور نظراتهم، أن يرحموهم من همزهم ولمزهم؛ لا تغلقوا أمامهم أبواب العلاج، كما تناشدهم جميعاً الرفق بأنفسهم؛ لا تجزعوا، جدوا واجتهدوا وثابروا واطمئنوا؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتمنين أحدُكم الموت لضر أصابه.”