بقلم / مجاهد منعثر منشد
إذا شئتَ النَّجاةَ فَزُرْ حُسيناً
لِكَي تَلْقَى الإلهَ قَريرَ عَينِ
فإنَّ النارَ لَيْسَ تَمَسُّ جِسْماً
عَليهِ غُبارُ زوّارِ الحُسينِ
من واقعة الطف المأساوية المفعمة بالألم والحزن ,ورغم الظروف السياسية العصيبة التي صنعها حكام الجور استمرت زيارة الاربعين الحسينية طيلة قرون خلت , إلا أننا نحتاج تفسير من القران الكريم لمسألة الاربعينية التي يحتفي فيها المسلم وغيره من الديانات الاخرى بعد موت أحد الشخصيات المحترمة أو الأعزاء عليهم.
ويبدو من خلال الاطلاع على بعض التفاسير بأنّ الأربعين سر من أسرار الله سبحانه وتعالى لم يصل العلماء إلى باطن معرفتها , كونها سر رباني لا يعلمه الا هو, وما يلاحظ في الكتاب المحكم ورد ذلك الرقم عدة مرات
كما في الآيات المباركة التالية :
ـ {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }.
ـ {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
ـ و {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}.
وأما ما ورد عنها من روايات عن الائمة المعصومين (عليهم السلام ) , فيروى عن الإِمَامُ الصادق (عليه السلام ) : (من حفظ من شيعتنا40 حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً فلم يعذبه).
وروي ايضا: (إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون).
وفي الحديث الشريف عن أبي ذر الغفاري وابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (إنَ الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً).
ولا يقتصر ذكر الاربعين بالمسلمين فحسب، بل حتى غير المسلمين لديهم اعتناء بالفقيد بعد اربعين يوما من وفاته.
وهذه الطريقة خارج الدين الاسلامي وداخله مؤلفة ومستمرة بين البشر بالنسبة للحداد على الميت أربعين يوماً فإذا كان يوم الأربعين أقيم على قبره الاحتفال بتأبينه يحضره أقاربه وخاصته وأصدقاؤه , فنرى ذلك عند النصارى حيث يقيمون حفلا تأبينيا يوم الأربعين من وفاة فقيدهم يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسمّاة عندهم بصلاة الجنازة ويفعلون ذلك في نصف السنة وعند تمامها.
وكذلك اليهود يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوماً وبمرور تسعة أشهر وعند تمام السنة . وكل ذلك إعادة لذكراه وتنويهاً بآثاره واعماله إن كان من العظماء.
إذن كيف لا نحيي ذكرى اربعينية سبط الرسول؟ الذي كان عظيم الموقف كبير التضحية، ضحى بأعز ما يملك من أجل كرامة الانسان والحفاظ على الشريعة الاسلامية الغراء.
واذا عدنا نقتبس من بحور العلم ومناهله وما روي عنهم بصدد فاجعة الإِمَامُ الحسين (عليه السلام ) وحزن السماء والارض والملائكة عليه , فإننا سنجد ما يناسب إحياء ذكرى الاربعينية , إذ ينسب إلى الإِمَامُ الباقر (عليه السلام) هذا القول : (إنَ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء), و الإِمَامُ جعفر الصادق قولُ: إنّ السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة… وإنّ الملائكة بكت عليه أربعين صباحاً.
ولما كانت مزايا الإِمَامُ الحسين وفجائعه لاتُعدّ، كانت أسرة الإِمَامُ (عليه السلام) تحي مناسبة زيارته، وخصوصا أنّ رأس الحسين رُدّ إلى بدنه بكربلاء من الشام، وضُمّ إليه , فقال الشيخ الطوسيّ: ومنه «زيارة الأربعين».
ويقول الإِمَامُ الحسن العسكري في خبر عن هذه الزيارة: (قد عدّ من علامات المؤمن زيارة الأربعين).
أمّا تحديد وقت الزيارة، ففي خبر التابعي صفوان بن مهران الجمال قال: (قال لي مولاي الصادق في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار، وتقول السلام على ولي الله إلى آخر الزيارة)).
ومن هنا هي علامات المؤمن المسلم لأوامر الله تعالى، ومنها موالاة أوليائه ومودتهم وقد قال عز من قائل: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و الإِمَامُ الحسين من أقرب قربى رسول الله، ومن مصاديق المودة: إحياء الذكرى، والمواساة مع التأسي، والتفاعل الروحي والقلبي بسيرته وما جرى عليه صلوات الله عليه.
وحادث زيارة جابر الانصاري (رض) إلى كربلاء فيه صورة تعبر عن مشاعره الجياشة وتمسكه بالمبدأ الذي انتهجه أبي عبد الله الحسين , فيروى الشيخ الجليل عماد الدين أبو القاسم الطبري الآملي وهو من أجلاء فن الحديث في كتابه بشارة المصطفى مسنداً عن عطية بن سعد بن جنادة العوفي (من رواة الأمامية)
أنه قال: خرجتُ مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) زائرين قبر الحسين فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم ائتزر بإزار وارتدى بآخر ثم فتح صُرة فيها سعُد، فنثرها على بدنه ثم لم يخطُ خُطوة إلاّ ذكر الله حتى إذا دنى من القبر قال: ألمسنيه ـ أي خذ بيدي إلى القبر ـ فألمسته فخّرَّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششتُ عليه شيئاً من الماء فأفاق
وقال: يا حسين ثلاثاً، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب، وقد شحطت أوداجك على اثياجك، وفرّق بين بدنك ورأسك… الخ، ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين واناخت برحله… إلى ان قال: لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقُلتُ لجابر: وكيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيفٍ والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأيتمت أولادهم وارملت الأزواج , فقال لي: يا عطية سمعتُ حبيبي رسول الله يقول: (مَن أحبَّ عمل قومٍ أشرك في عملهم).والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه،
قال الراوي: فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطية هل أوصيك؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك، أحبْ محبَّ آل محمدَ ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم، وإن كان صواما قواماً، وارفق بمحب آل محمد فأنه إن تزل لهم قدم بكثرة ذنوبهم تثبت لهم أخرى بمحبتهم، فإنّ محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار.
يستفاد مما ذكرناه أعلاه بأن زيارة الاربعين لها دلالات كثيرة وفوائد ومعاني وهي رساله واضحة المعالم إلى كل الطغاة بأنّ تواصلنا مع الحسين هو قضية مبدأ وتعتبر مراسيم زيارة الامام الحسين صرخة مدوية ضد الظالمين والطغاة وتحفز الزائرين على زيارة الضريح الطاهر من أجل تجديد البيعة للإمام الحسين وبالمقابل هي نداء واضح لكل المشككين بأننا لن نقطع درب الحسين إلى ظهور الإِمَامُ الحجة (عليه السلام) وكل هؤلاء الزوار يقدمون الغالي والنفيس من الاموال إلى الارواح من أجل نصرة نهضة الحسين ونحن وأبناؤنا مستمرون على هذا المنوال ، ولن تثنينا كل أدوات الارهاب بل على العكس تزيدنا إصرارا على الذهاب إلى كربلاء من أجل نيل الشهادة في سبيل الله على طريق الامام الحسين وعلى دربه وخطاه .
والفائدة الصحية من الزيارة سيرا على الاقدام المشي يقلل الدهون في جسم الانسان ويخفض مستوى الكولسترول في الدم الذي يقلل من الإصابة بتصلّب أو انسداد الشرايين، وكلما حصل الإنسان على لياقة أثناء مزاولة المشي كلما تحسّن عمل القلب في دفع كمية أكبر من الدم بأقل عدد من ضربات القلب، والمشي يخفض ضغط الدم للمصابين بارتفاع ضغط الدم، والتمثيل الغذائي الذي يحرق السعرات الحرارية المخزونة في الجسم… والمشي يساعد على وقاية العظام والضعف عند الكبر، وزيادة القوة العضلية وزيادة المرونة وتحسين الجهاز الدوري والتنفسي .ناهيك عن فوائد تخفيف الضغط النفسي والابعاد الاجتماعية الايجابية.
إنّ تلك الزيارة نوع من أنواع مدى قوة الارتباط بين المسلمين والذي حاربه أعداء أتباع أهل البيت على مر العصور السابقة… وقبل كل ذلك جاهد الإمام الحسين (عليه السلام) لنيل أسمى المقاصد، وأنْبل الغايات، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد… فبذل عليه أفضل الصلاة والسلام نفسه، ومالَه وآلَه وأصحابه، في سبيل إحياء الدين، وإظهار فضائح المنافقين، واختار المنيَّة على الدنيَّة، وميتة العز على حياة الذل، ومصارع الكرام على اللئام.
فمن الحق أن تقام له الذكرى على ما جرى عليه في كل عام، بل وفي كل يوم، وتبكي له العيون بدل الدموع دمـــا , ونستنبط ذلك من قوله (انا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن الا ودمعت عيناه).
ومن بكى الإِمَامُ زين العابدين على مصيبة أبيه الإِمَامُ الحسين ثلاثين سنة… و الإِمَامُ الصادق يبكي لتذكُّر المصيبة، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي… و الإِمَامُ الكاظم إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه… وقول الإِمَامُ الرضا إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا، وأسال دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.
ولذلك تسير الملايين على الاقدام لتجديد العهد في يوم الأربعين من كلّ سنة، يتذكّرونه ويُذكّرون به، ويتثبّتون على أصله في حديث الإمام الحسن العسكريّ: علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى والخمسين (وهي الفرائض اليوميّة مع النوافل)، وزيارة الأربعين (وهي زيارة الحسين في أربعينيّة شهادته، والألف واللام في كلمة الأربعين تُسمّى للعهد، فهي زيارة معهودة مشهورة)، والتختّم باليمين (التزاماً بسُنّة النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم)، وتعفير الجبين (بالسجود على الأرض، خضوعاً لله تعالى وتذلّلاً في محضره القدسيّ)، والجهر بـ «بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم» (وذلك وجوباً في الصلاة الجهريّة).