مقالات واراء

الاستبعاد الاجتماعي والرجوع للحياة البدائية

احجز مساحتك الاعلانية
كتب: حازم محمد ابراهيم مطر
الاستبعاد الاجتماعي يهدد الانسانية وذلك لانه في مجمله يعني سيطرة فئة او جماعة او مجموعة وحرمان الاخري.
تداول الفكر الإنساني، على مدى العصور ثم العلم الإنساني والاجتماعي في العصور الحديثة قيمة المساواة وأهميتها، وحلمت الشعوب بالعدل الاجتماعي. وأدخلت ذلك في مذاهبها ورؤاها الطوباوية، ثم في فلسفاتها ونظمها الدينية والأخلاقية والقانونية. وما زالت المساواة وما زال العدل بعيدين عن الواقع وعن الناس.
ولكن العلم الاجتماعي المعاصر وضع أيدينا على معنى ملموس للعدل ومؤشر صادق للمساواة: المساواة هي اندماج الناس في مجتمعهم على أصعدة: الإنتاج، والاستهلاك، والعمل السياسي، والتفاعل الاجتماعي، واللامساواة هي الاستبعاد أو الحرمان أو الإقصاء عن هذه المشاركة.
وما لم نربط مفهومنا للاستبعاد بفكرة المساواة الاجتماعية بوصفها لب عملية الاندماج ومن ثم نفيا للاستبعاد، ما لم نفعل ذلك نكون بصدد خلط وقصور في الفهم على الصعيد السياسي والصعيد العلمي على السواء.
والاستبعاد الاجتماعي هو نقيض الاندماج أو الاستيعاب، موضوع حيوي وكاشف لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع. فالاستبعاد ليس أمراً شخصياً، ولا راجعاً إلى تدني القدرات الفردية فقط بقدر ما هو حصاد بنية اجتماعية معينة ورؤى محددة ومؤشر على أداء هذه البنية لوظائفها. وهو ليس موقفاً سياسياً فقط، ولا طبقياً… الخ، ولكنه جماع كل ذلك. وهو ليس شأن الفقراء وحدهم، ولا هم الأغنياء وحدهم، وإنما هو مشكلة الجميع، وليس أمامهم سوى تقليل الاستبعاد وتعظيم الاندماج وتحقيق الاستيعاب أي: المواطنة الحقة.
ويعتبر مفهوم الاستبعاد الاجتماعي من المفاهيم التي بدأت في الانتشار منذ تسعينيات القرن العشرين، ويعرف بأنه إبعاد لبعض فئات المجتمع وعدم القدرة على المشاركة بفاعلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا يعني أن هناك شكلين من أشكال الاستبعاد الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة، الأول هو الاستبعاد اللاإرادي لأولئك القابعين في القاع والمعزولين عن التيار الرئيسي للفرص التي يتيحها المجتمع، أما الشكل الثاني فهو الاستبعاد الإرادي، حيث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة وأحيانا من القسط الأكبر من ممارسات الحياة اليومية فيما يطلق عليه ثورة جماعات الصفوة، وتعيش هذه الجماعات داخل مجتمعات محاطة بالأسوار بمعزل عن بقية أفراد المجتمع، وتنسحب من نظم الصحة العامة والتعليم العام والخدمات الأخرى المتاحة في المجتمع الكبير.
عرف فيبر (الاستبعاد الاجتماعي) بأنه: ” أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي” ومن الطبيعي أن ينشأ ذلك الانغلاق على خلفية عوامل ناتجة عن استحواذ البعض على المكاسب والمغانم والمصالح التي تحتاج إلى نــوع من الحماية والهيمنة، فالاستبعاد هو محاولة البعض لتأمين مركز متميز على حساب جماعة أخرى بإخضاعها، ومن ثم إضعافها واختزال مصالحها، أو مسخ هويتها إلى حد التنكيل والتشويه والقمع، ” وفي الاتجاه نفسه يلفت جوردان (Jordan 1996) الانتباه إلى ما تقوم به جماعة من الاستبعاد الفعال لجماعة أخرى”، بينما يرى بريان باري: ” أن الاستبعاد الاجتماعي لا يعدو أن يكون إعادة تسمية لما اعتاد الناس تسميته بـ” الفقر”، أما ما يسمى بالتعريف الإجرائي للاستبعاد الاجتماعي فهو ينصب على فكرة المشاركة، إذ ” يعد الفرد مستبعداً اجتماعياً إذا كان لا يشارك في الأنشطة الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه”، ونجد بأنه تعريف مبتسر وقاصر عن الإحاطة بأشكال الاستبعاد وأنماطه، فعدم المشاركة قد تكون خياراً إرادياً، فماذا عن الاستبعاد القسري؟! لا سيما في المجتمعات ذات المنظومات الاستبدادية، إذ تستفيد السلطة المهيمنة عادة من تشرذم المجتمع وانقسامه إلى جماعات متفرقة لإحكام السيطرة عليه، ما يدفع جماعة السلطة إلى دعم إنتاج الأنساق الأيديولوجية المكرسة لمظاهر الاستبعاد، وذلك من خلال ترسيخ فكرة مشروعية السلطة وتبرير التسلط مقابل تهميش الآخرين الموضوعيين في عزلة اجتماعية قسرية لا تتيح لهم المشاركة الفعلية في الحياة العامة.
لقد عانت المجتمعات البشرية من العديد من التمايزات الطبقية والثقافية والجنسوية، فنشأت جراء ذلك العديد من المصطلحات والمفاهيم لتأطير بعض مظاهر التمايز، كمصطلحات: الفصل أو التمييز العنصري، الحقد الطبقي، الطبقات المسحوقة، مساواة المرأة ومفاهيم الجنوسة (الجندر) وغير ذلك، فالسود – على سبيل المثال- مبعدون عن عالم البيض، والأقليات الدينية والعرقية مبعدة عن الأغلبيات الاجتماعية، والفقراء مطرودون من جنة الأغنياء، وطبقات القاع مقصية ومهمشة عن عالم الرفاه الأرستقراطي، والمرأة مغضوب عليها في المجتمعات الذكورية.
وهكذا يتم تكريس الفوارق الطبقية والعزلة في خضم تآكل الطبقات الوسطى التي يمكن أن تشكل عامل تقريب بين طبقات المجتمع.

1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى