يرجع أساس مفهوم صعوبة وصف المشاعر (الأليكسثيميا) إلى بعض علماء النفس التحليليين الذين لاحظوا أن مرضاهم المصابين بالأمراض السيكوسوماتية يواجهون صعوبة كبيرة في التعبير لفظياً عن صراعاتهم Steven, 2001)).
أولاً: الأليكسيثيميا والأساس العصبي:
عرفها كريستال (Krystal,1988,p.124) بأنها شكل أساسي من أشكال الاضطراب الوظيفي في تعيين الفرد لمشاعره وتحديدها، إلا أنها تشير إلى أنها سمة وجدانية/ معرفية للشخصية تظهر نفسها بأكثر من طريقة.
وعرفها دودوج وجربر (Dodge, & Garber, 1991, p.4) على أنها صعوبة في إدراك المعلومات الوجدانية ومعالجتها نتيجة خلل عصبي، وتؤدي هذه المعالجة دوراً مهماً في الاستجابة للمواقف الاجتماعية، حيث تكون هذه المعلومات ذات معنى في سياق تقييم المواقف الضاغطة كما أنها تعد وسيلة لطلب المساعدة بهدف تخفيف الشعور بالضغط.
ويشير التراث العلمي في هذا المجال إلى أن أول من وضع أساس مفهوم الأليكسيثميا كان بعض علماء النفس التحليليين الذين لاحظوا أن مرضاهم المصابين بالأمراض السيكوسوماتية يواجهون صعوبة كبيرة في التعبير لفظياً عن صراعاتهم Steven, 2001)).
وفي ضوء ذلك بنى “بروثس” (Berthoz, &Hill,2005) تعريفه من نتائج التصوير الوظيفي للدماغ لحالات تعاني الأليكسيثيميا حيث عرفها بأنها نقص في التعبير ووصف المشاعر نتيجة لخلل في التلفيفة الجبهية الوسطى.
وعرفها كل من (Bird, Silani, Brindley, Singer, Frith, & Frith ,2006) بأنها نقص التعبير عن المشاعر والعواطف نتيجة لضعف الإثارة الفسيولوجية، ووجود خلل في المناطق الطرفية القشرية من الدماغ التي تكون مسئولة عن العواطف والانفعالات.
في حين يعرفها تيماري وزملاؤه (Timary., Luts ., Hers & Luminet, 2008) بأنها “خلل وظيفي عصبي، وذلك بسبب عدم وجود اتصالات كافية بين الخلايا العصبية في الجهاز الحوفي والقشرة المخية الحديثة ينتج عنه ندرة في الأوهام، وصعوبة في وصف المشاعر ونمط من التفكير في المنطوق”.
ثانياً: الأليكسيثيميا والسمات الشخصية:
يعرفها تايلور وآخرون (Taylor et al.,1997, p.234) بأنها حالة تعكس مجموعة من أوجه القصور في القدرة على التعامل مع الانفعالات من الناحية المعرفية، كما تعكس صعوبات لدى الفرد في تنظيم وجداناته، ومن ثم فهي تُعد أحد العوامل المهيئة للإصابة بالأمراض الجسمية والنفسية.
وهذا ما أكدت عليه موللر (Muller,2000, p.253) حين عرفها ” بأنها فقدان القدرة على التعبير الانفعالي عن المشاعر الداخلية نتيجة غياب الكلمات الملائمة لوصف مشاعر الفرد”.
كما يشير مفهوم الأليكسيثيميا إلى “مجموعة من الاضطرابات والأعراض المعنية بالجهاز الوجداني بسبب بعض الصعوبات في تحديد المشاعر وتفعيلها، نتيجة لتضخيم الأحاسيس الجسدية المصاحبة للانفعال” Carpenter, & Addis, 2000,p.630).
ويعرفها (Yelsma,2001,p.564) بأنها: “حالة نقص القدرة على خلق التخيلات المرتبطة بالمشاعر، ويؤدى هذا النقص إلى ظهور طريقة نفعية في التفكير والميل إلى تجنب الصراع في المواقف الضاغطة والتفكير خارجي التوجيه الذي يتميز محتواه بالانشغال بتفاصيل الأمور والأحداث الموجودة في البيئة الخارجية”.
ويعرفها ستيفن Steven, 2001,p.46)) بأنها: ” قصور شديد لدى بعض الأفراد في المفردات الوجدانية التي يصفون بها مشاعرهم، فقد يذكر الفرد أن لديه شعوراً بالدوار، أو ألماً في المعدة أو بتصبب عرق، ولكنه لا يستطيع أن يذكر أنه يشعر بالقلق، وجوهر هذه الحالة ليس في غياب المشاعر أو الوجدان وإنما في غياب القدرة على التعبير عن هذه المشاعر أو هذا الوجدان.”
أما عبد العظيم (2007، ص50) فيعرفها بأنها: ” مجموعة من الخصائص والاضطرابات المعرفية والوجدانية تتضمن الصعوبة في تعرف المشاعر ونقلها، وصعوبة التمييز بين المشاعر والإحساسات الجسمية والاستثارة الانفعالية ونقص التخيل”.
ويعرفها كانو وزملاؤه (Kano., Hamaguchi., Itoh., Yanai, &Fukudo, 2007) على أنها: “أحد مكونات الشخصية المستمدة من الملاحظات السريرية للمرضى الذين يعانون أمراضاً نفسية” ومن أعراضها:
أ- انخفاض القدرة على تحديد المشاعر ووصفها، وصعوبة في التمييز بين المشاعر.
ب- الأحاسيس الجسدية مع ضعف في الإثارة العاطفية.
ج- الميل إلى التركيز على الأحداث الخارجية بدلاً من الخبرات الداخلية.
في حين يعرف بيكر وآخرونReker,Ohrmann,Kugel,&Rauch,2010,p.452)) الأليكسيثيميا بأنها: “أحد أبعاد الشخصية التي تشير إلى ضعف التعبير والتمييز عن المشاعر والعواطف نتيجة لضعف في تجهيز المعلومات الوجدانية (العاطفية)”.
معدل انتشار الأليكسيثيميا:
تؤدي الأليكسيثيميا إلى سوء التنظيم الوجداني والتعرض للإجهاد، بل وتعد من العوامل المؤدية إلى الأمراض النفسية (Taylor & Bagby, 2004). وتنتشر الأليكسيثيميا بين المرضى المدمنين للكحول بنسبة تتراوح بين 40-60%. (Haviland et al., 1994; Taylor,2000 ).
ونسبة انتشار الأليكسيثيميا عند الأفراد العاديين تُقدر بـ 10-20% (Loas et al., 1995, 1996; Taieb et al., 2002). وفي دراسة طولية قام بها (Loas et al., 1997) تبين وجود العشرات من الأفراد المصابين بالأليكسثيميا، كما تبين أن للأليكسثيميا قدرة تنبؤية ببعض الاضطرابات النفسية كالانسحاب والاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل.
وقد وجد باحثون آخرون أن 10٪ إلى 15٪ من إجمالي السكان البالغين مصابين بالأليكسثيميا.((Parker, Taylor, & Bagby, 2003; Ziolkowski,Gruss,& Rybakowski, 1995
وأشار بعض الباحثين إلى أن حجم انتشار الظاهرة تتراوح بين 9٪ -17٪ عند الرجال وتتراوح بين 5٪ -10٪ لدى النساء (Cecero, & Holmstrom, 1997; Taieb et al., 2002)
أما عن نسبة انتشار الأليكسيثيميا عند كبار السن فتمثلت 14.6٪ بين الذكور و17.3٪ بين النساء. ((Gunzelman, Kupfer, &Brhler,2002
ويشير كل من (Honkalampi et al., 2001; Yelsma, 2001) إلى أن للذكور درجات أعلى في الأليكسيثيميا مقارنة بالإناث.
بعض الدلالات الإكلينيكية للأليكسيثيميا:
تُعد الأليكسيثيميا نمطاً شخصياً أُشتق من الملاحظات الإكلينيكية على المرضى السيكوسوماتيين حيث يوصف أصحابها بعدد من الاضطرابات المعرفية والوجدانية (Joseph,2004) .
وفيما يلي أهم الأعراض الإكلينيكية للأليكسثييما:
1- صعوبة تعرف المشاعر ووصفها بالكلمات.
2- صعوبة التمييز بين المشاعر الانفعالية والإحساسات الجسمية.
3- الفَهْم المحدود للعوامل المسئولة عن المشاعر.
4- صعوبة تحديد المشاعر.
5- التفكير النمطي.
6- ضعف التخيل الانفعالي وقلة الاستغراق في أحلام اليقظة.
7- الموقف المتصلب تجاه الآخرين.
8-وجود بعض الاضطرابات الفسيولوجية مثل: خفقان ضربات القلب، ألم في المعدة، واحمرار الوجه، ارتفاع درجة حرارة الجسم، اضطرابات الأكل.(Jeffrey ,1995 ,Lea
كما يمكن الاستدلال على الأليكسيثميا من خلال الأعراض الآتية:
أ. وجود صعوبة في القدرة على التحدث عن المشاعر الخاصة، أو عن المشاعر المستقبلة من الآخرين.
ب.الشعور بالارتباك كرد فعل لانفعالات الآخرين.
ج. إعطاء إجابات غير محددة أو بعد فترة طويلة، وذلك استجابة للأسئلة العملية.
د. ندرة الاستغراق في التخيل أو التفكير في الأمور الشخصية.
ه. لديه ردود فعل هذائية حول: الفن، الأدب، والموسيقى.
و. أخذ قرارات شخصية بناء على المبادئ وليس بناء على المشاعر.
ز. المعاناة من اضطرابات فسيولوجية دورية مثل: خفقان القلب، اضطرابات المعدة، والشعور بسخونة الجسم.
ح. كذلك فإن مرض الأليكسيثيميا أكثر عرضة للإصابة بالقلق المزمن، وذلك يرجع إلى الفشل في تحديد الانفعالات، والأكثر من ذلك فإن عدم القدرة على اتخاذ قرارات سريعة بناء على المشاعر مما يخلق شعوراً بالقلق الشديد نحو الاختبارات الشخصية.
ط. كما ينتشر اضطراب القلق لدى مرض الأليكسيثيميا، حيث يخبرون دائماً عن اضطرابات معقدة في الحياة التي تؤدي إلى أفكار سلبية، وقد تؤدى إلى إصابة الفرد بحالة اكتئاب .
من خلال ما سبق يتبين وجود ارتباط موجب بين الأليكسيثيميا وبعض الاضطرابات النفسية كالقلق وبعض الاضطرابات السكوسوماتية.