د.صلاح عبادة الأزهر إذا أراد فعل .. وهو يملك الكثير من الطاقات العقليات المستنيرة والقامات العلمية الهائلة مثل الدكتور أسامة الأزهري والشيخ الحبيب على الجفري، اللذين استطاعا في خمس ساعات تفنيد كثير من حجج إسلام البحيري ودحض منطلقاته وإظهار تهافتها..وإجباره علي التراجع خطوات عديدة إلى الوراء..واضطراره للاعتراف بانحراف أسلوبه وإطلاقاته التي تتنافي مع قواعد البحث العلمي..ووعده بأنه سيعدل من هذا الأسلوب الذي كان محل انتقاد الجميع وإن كان هذا التعديل سيفعله بينه وبين نفسه ..ولا بأس في ذلك حفظا لماء الوجه..يكفي أن الشيخين العالمين الجليلين قد ألزما إسلام الجادة بمنتهى الهدوء والأدب والاحترام والعلم الغزير ولم يتركا له فرصة للشغب والتطاول ..وقد بدا إسلام البحيري من أول الحلقة مكفهرا مترقبا جاف الحلق والشفتين ..ولم يستطع الابتسام إلا في آخر الحلقة وهو لا يكاد يصدق بالنجاة..ورأينا في هذه الحلقة المهمة التي أجراها خيري رمضان على قناة C.B.C يوم الجمعة الماضي كيف يكون صوت البناء هادئا رصينا على عكس الضجيج الذي تحدثه معاول الهدم والشتم والتطاول على العلماء والفقهاء والتراث الذي ينبغي أن يُحال للاستيداع ووصف الفقهاء الأربعة بأنهم مجرمون ويجب أن يصلّبوا ويُقتّلوا لمجرد الاجتهاد والخطأ .. وماذا نفعل بك إذن-وفقا لمعاييرك- على كل هذه الأخطاء والخطايا في الاجتهاد والتفكير والنقض والتهجم على التراث الذي تدعو إلى التخلص منه ؟فهل تثبت لنفسك حرية الرأي والتعبير وتسلبها من غيرك وتنكرها عليه إذا ما أتت النتائج على غير ما تهوى؟!! إن تراث أي أمة ،يا أستاذ إسلام ، هو ذاكرتها الحضارية..وجوهر هويتها الواقية من العواصف الهوجاء العاتية التي يثيرها النظام الأمريكيّ العالمي الجديد الذي يعادي ،اول ما يعادي،التراث والخصوصيات الثقافية المميزة للأمم العريقة العتيدة حتى يسهل اقتلاعها ؛لأنها ستصبح ،حينئذ، بلا تراث ولا خصوصية ثقافية فتصبح مثل نبتة ضعيفة فوق سطح البلاط تعصف بها أي ريح استعمارية حمقاء حاقدة ..
إن علاقتنا بالتراث ينبغي ألا تُبنى على التقديس واللامساسية وأن نشتغل “منادين” على هذا التراث ..كما ينبغي ألا تكون علاقتنا بالتراث تشويها وتدنيسا وتسفيها وأن ندعو إلى الإلقاء به في أول مرحاض يصادفنا..ولكن العلاقة الصحيحة والصحية التي ينبغي أن تحكم علاقتنا بالتراث هي قراءته جيدا بصبر وبعمق وتأنٍ.. وأن نضعه في سياقه التاريخي والاجتماعي والسياسي والحضاري..وعدم إغفال التطور العلمي والانفجار المعرفي الذي يتميز به العصر الحديث..فعلماء كل عصر يفكرون لعصورهم وليس لعصورنا ..وإن فعلوا فماذا تكون وظيفتنا إذن وماذا نعمل نحن؟ جوهر علاقتنا بالتراث يتمثل في الحوار الدائم معه واستصفاء العناصر الحية الخالدة منه ففي كل جهد علميّ وإنساني صادق نفحة من الخلود والحياة التي لاقى بها الدنيا أول مرة..وفي الوقت نفسه ينبغي ألا يمنعنا حب هذا التراث من أن نستبعد ونطّرح منه-في جُرأة – كل تلك العناصر والأفكار التي ماتت واندثرت وانقضت وظيفتها بانقضاء ظروف عصرها التي ارتبطت بها ..كم وددت من الأزهر أن لم يكن صمته قد طال كل هذه المدة حتى لا تترسخ كل تلك الأفكار في عقول الشباب الغض وهو يحسبها الحقيقة الكاملة.. ويحسب الأسلوب المراهق الذي أُديت به هو الأسلوب الثوريّ الحق الذي يجب انتهاجه في معالجة كل المسائل حتى أشدهاخطورة وحساسية.. ليت الأزهر لم يصمت صمت العاجزين وهو القادر على التصدي والفعل والمواجهة؛ فقديما قال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس شيئا … كنقص القادرين على التمام!!