عند تناول هذا الموضوع الشائك تنهال على ذهني أسئلة عديدة ومن ابرزها :
* هل مستوى التعليم في جميع مراحله في الوطن العربي مناسبا للعصر الذي نعيشه ؟ * هل المدارس في البلاد العربية ملائمة في تجهيزاتها بما يُسهل عملية التعليم وخاصة في المرحلة الابتدائية ؟
* هل كثافة الفصول في جميع المراحل تُعطي الفرصة المطلوبة للطلبة لتلقي العلم بطريقة صحيحة تُؤهلهم للاستيعاب المنشود في العملية التربوية والتعليمية ؟
* هل يُعتبر إستنزاف ميزانيات الأسر للدروس الخصوصية مؤشرا على نهضة تعليمية حقيقية ؟ ليس صعبا الإجابة على الأسئلة السابقة ولا حتى على الأسئلة التي قد تطرأ على ذهن القاريء لان الصورة العامة عن التعليم في بلادنا واضحة كل الوضوح .
التعليم والتربية هما بناء شخصية الفرد ومحو الأمية في المجتمع وهما المحركان الأساسيان في تطور الحضارات ومحور قياس تطور ونماء المجتمعات فتقييم أي مجتمع يُقاس على حسب نسبة المتعلمين به . يتكون نظام التعليم في البلاد العربية مع بعض الفروقات البسيطة الى اربع مراحل : * مرحلة رياض الأطفال لمدة سنتين
* المرحلة الابتدائية لمدة ست سنوات
* المرحلة الإعدادية او المتوسطة لمدة ثلاث سنوات
* وأخيرا المرحلة الثانوية لمدة ثلاث سنوات ثم مرحلة التعليم العالي او الجامعي
وما بعده من شهادات عليا .
ينص القانون على ان التعليم الزاميا لمدة ٩ سنوات دراسية بين سن السادسة الى الرابعة عشرة بغض النظر عن التهرب في بعض البلاد من التعليم الإلزامي لظروف خاصة جدا تتعلق بالمستوى المعيشي للاسرة كفقد المعيل لها .
لا تقف وزارات التربية والتعليم وحيدة في هذا الميدان الشائك بل تستعين بمراكز بحثية لتطوير العملية التعليمية والتربوية مثل المركز القومي لتطوير المناهج ، والمركز القومي للبحوث التربوية والمركز القومي للامتحانات والتقويم .
تُقدم هذه المراكز المساعدة لوزارات التربية والتعليم الكثير من التوصيات لرفع مستوى العملية التربوية والتعليمية ولكن بعض هذه التوصيات تبقى حبيسة الأدراج لانتفاء الميزانية اللازمة او لصعوبة التطبيق او بسبب الروتين الحكومي البطيء جدا .
في معظم البلاد العربية يواجه نظام التعليم مشكلات جسام وتحديات كبيرة هوت بكل مكونات العملية التربوية والتعليمية الى منحدر سحيق ، وهوة عميقة ونشرت الفوضى والعشوائية والتخبط في كل مراحلها . الوزير الجديد غالبا ما ينقض ما فعله سلفه بناء على توصيات شخصية من كبار موظفي الوزارة وليس من المراكز ذات الاختصاص مما يجعل المجتمع يفتقد السياسة التعليمية ذات الأهداف والغايات والتميز الواضح . ولعل أهم مشكلة في التربية والتعليم في بلادنا إكتظاظ الفصول بالطلبة . هل يُعقل ان يكون زمن الحصة ٤٥ دقيقة وعدد الطلبة يتجاوز الخمسين ؟
بمعنى ان الطالب لا يتلقى في العملية التعليمية الا اقل من دقيقة !!!!
ماذا يُمكن ان يُحصل الطالب تعليميا خلال دقيقة حتى ولو كان عبقريا ؟ وأسوأ مما سبق ضحالة التجهيزات المدرسية في الكثير من المدارس ؛ مقاعد مشوهة بالية ، سبورة كالحة اللون ، غرفة دراسية طلاؤها باهت ونوافذ مشروخة ينفذ منها الهواء البارد في فصل الشتاء !!! معظم تجهيزات مدارسنا تزيد من السلبية المطلقة في تلقي العلم . اما قمة التخلف التعليمي والتحصيل العلمي اننا ما زلنا نحشوا عقول الطلبة بالمعلومات ليحفظوها عن ظهر قلب ويأتي يوم الامتحان ليصبوهاعلى أوراق الاجابات وبعد عدة أسابيع لا يبقى في ذاكرتهم الا النزر اليسير من المعرفة . التعليم حاليا لا يواكب إطلاقا النهضة التكنولوجية التي يجب ان تسود التعليم من اجل النهوض العلمي بالمجتمع . إن أساليب الإستنباط والتحليل والاستنتاج والقياس مفقودة تماما !!!
أين هي الأُسرة التي لا تعاني من نفقات الدروس الخصوصية وخاصة في المرحلة الثانوية قبل دخول الجامعات ؟ معظم الُاسر تُفرد ميزانية خاصة للدروس الخصوصية وكثيرا ما تكون على حساب نفقات الاسرة المعيشية وخاصة عندما يتجاوز العدد اثنين او ربما أكثر في الاسرة الواحدة ! وأُجزم يقينا ان الأُسر أيضا تساهم في استنزاف ميزانيتها لأنها لا تريد الا الطبيب او المهندس مع العلم بأن المدارس التقنية والمهنية تُخرج طلبة ينعمون بدخول خيالية مثل الأطباء والمهندسين . لم تعد أهمية التعليم محل جدل في اي منطقة من العالم فالتجارب الدولية المعاصرة اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان بداية التقدم الحقيقي بل والوحيدة في العالم هي التعليم الهادف . لقد تغير جوهر الصراع في العالم فأصبح سباقا في التعليم لان الدول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم الهادف المؤطر لخدمة أهداف المجتمع سواء سياسيا او إقتصاديا أو حتى عسكريا .
وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفرات هائلة في النمو الإقتصادي والقوة العسكرية او السياسة نجحت من التعليم . ولا يستطيع أي مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة ومواجهة متطلبات المستقبل الا بالمعرفة والثقافة وإمتلاك التكنولوجيا المتغيرة بصفة مستمرة ، ولن يتم هذا الإنجاز الا عن طريق العلم والتعلم . فالتعليم في أوسع معانيه يهدف الى تكوين العقل والشخصية وذلك عن طريق تراكم المعارف والقيم والمهارات من جيل لآخر .
وخلاصة القول ان التعليم المناسب يلعب دورا إيجابيا وحيويا في حياة الفرد وبالتالي في مستقبل المجتمع . في عصرنا الحالي يجب التركيز على التعليم الفني والمهني الذي يدفع بالمجتمع قُدما على طريق النماء والتقدم في مجالات الحياة الضرورية والمطلوبة لخدمة أهداف المجتمع وليس فقط تخريج المئات من الأطباء والمهندسين الذي لا يجدون عملا بسهولة .
هل توجد أية جامعة عربية ضمن المائة جامعة على مستوى العالم ؟ لا . بدأت مصر في بعض المدارس تطبيق التعليم الياباني بهدف تحقيق التنمية المتوازنة لشخصية الطفل في العمل الجماعي ومهارات التعامل مع الآخرين إضافة للجوانب الأكاديمية والتطبيقية. بدأت هذه التجربة في ١٢ مدرسة وسيتم تطبيقها في ١٠٠ مدرسة اخرى تدريجيا .
ولكن لماذا إختارت مصر تطبيق التجربة. اليابانية ؟ لان الطفل الياباني يحصل على نتائج عالية في الاختبارات الدولية التي تقيس القدرات في الرياضيات والعلوم اكثر من الطفل الامريكي والبريطاني والفرنسي وغيرهم . اما بالنسبة لبلد أوروبي مثل بلجيكا فقد بلغت نسبة من يجيدون القراءة والكتابة ١٠٠٪ عام ١٩٩٣ !!!
إختارت الحكومة البلجيكية الاستثمار في مجال التعليم من أجل مستقبل أفضل يتناسب مع طموحات وحاجات وآمال المواطنين . ما يُلفت النظر هنا ان التعليم غايته الوحيدة خدمة تطلعات وأهداف المواطن المستقبلية ليحقق طموحاته أما في التعليم العام او المهني او التقني . النسبة المئوية في الشهادات ليس لها هذه الهالة الموجودة عندنا .
في نهاية المرحلة الثانوية يُوجه وينصح الطلبة بدخول القسم المناسب لتحصيلهم العلمي خلال المرحلة كلها وليس طبقا لنسبة مئوية !!!!
قضية الدروس الخصوصية في بلجيكا معدومة تماما لان المدرس يجمع الطلبة من ذوي التحصيل العلمي الضعيف داخل جدران المدرسة لتقويتهم في مادة ما .
لا يدفع ولي الامر شيئا !!!! وأخيرا هل كل الحاصلين على مؤهل جامعي يقومون بتدريس المناهج بشكل مرضي ؟ سؤال يصعب الإجابة عليه !
لا بد من دورات تدريبية تجديدية لكل المدرسين من فترة لأخرى . كما يجب زيادة رواتب المدرسين زيادة ملحوظة لكي يشعروا بالراحة المادية ويكفوا عن اللهاث وراء ماديات الدروس الخصوصية .