استمرار ظلم المستأجرين القدامى” سياسة إفقار متعمدة وتشريد ممنهج
في ظل التعديلات المقترحة على قانون الإيجار القديم، تظهر الحكومة المصرية مرة أخرى وكأنها تقدم حلولاً وهمية للمستأجرين القدامى الذين عانوا لعقود من سياسات غير عادلة. الوعود بتوفير وحدات سكنية بديلة لا تعدو كونها خداعاً ممنهجاً يهدف إلى إخلاء الشقق في المناطق الحيوية لصالح المستثمرين، بينما يُدفع المستأجرون إلى عشوائيات المدن البعيدة أو شقق بمواصفات رديئة. هذا ليس حلاً، بل هو استمرار لسياسة الظلم التي تمارسها الدولة ضد فئة عانت طويلاً من القوانين المجحفة.
الوعد الكاذب: وحدات بديلة أم تشريد مقنع؟
الحكومة تروج لفكرة أن المستأجرين سيحصلون على وحدات سكنية بديلة، لكن الواقع يقول إن هذه الوحدات إما غير موجودة، أو أنها في مناطق نائية تفتقر إلى الخدمات الأساسية. المدن الجديدة مثل “العاصمة الإدارية” أو “بدر” أو “6 أكتوبر” ليست خياراً عملياً لكبار السن أو الأسر محدودة الدخل التي تعتمد على العمل في مناطق وسط المدينة. نقلهم إلى هذه المناطق البعيدة يعني حرمانهم من فرص العمل، وقطع روابطهم الاجتماعية، وإجبارهم على تحمل تكاليف مواصلات باهظة.
الأمر الأكثر إيلاماً هو أن الشقق المقدمة كـ”بديل” غالباً ما تكون بمواصفات دون المستوى، أو أن عقودها غير مكتملة الشروط، مما يجعل المستأجرين عرضة للمشاكل القانونية لاحقاً. هل يعقل أن يُطرد شخص من شقة يسكنها منذ عشرات السنين ليُعطى عقداً غير مضمون في مكان أشبه بـ”مستوطنة” بعيدة عن الحياة الطبيعية؟
المستأجرون القدامى: ضحايا نظام إيجار ظالم
قانون الإيجار القديم، رغم أنه كان يحمي المستأجرين في الماضي، تحول مع الوقت إلى أداة لاستنزافهم. فبينما تجمدت القيمة الإيجارية لعقود، أصبح الملاك عاجزين عن الصيانة أو التطوير، مما أدى إلى تدهور العديد من الوحدات السكنية. لكن بدلاً أن تبحث الحكومة عن حلول عادلة، كتعويض الملاك بشكل مناسب مع ضمان حقوق المستأجرين، اختارت أن تحمل المستأجرين وزر فشل السياسات العقارية للدولة.
الآن، يُطلب من المستأجرين القدامى، وخاصة كبار السن وأصحاب الدخول المحدودة، أن يتركوا منازلهم دون ضمانات حقيقية. كثيرون منهم دفعوا أموالاً طائلة تحت مسمى “الرسم الاكتتابي” أو “المفتاح” في الماضي، واليوم يُطلب منهم الخروج بلا تعويض عادل. هل هذه عدالة؟ أم أنها سياسة تهدف إلى إخلاء المناطق المتميزة لصالح الأثرياء والمستثمرين؟
التعويض العادل: لماذا ترفض الحكومة تطبيقه؟
لو كانت الحكومة جادة في حل المشكلة، لقدمت تعويضات نقدية عادلة تتناسب مع قيمة العقارات الحالية، أو وحدات سكنية بديلة في مناطق مماثلة من حيث الخدمات والقرب من مراكز العمل. لكنها ترفض ذلك لأنها تريد تحرير السوق العقاري دون تحمل التكاليف الاجتماعية.
في دول أخرى، عندما تتدخل الدولة في مثل هذه الملفات، يتم تعويض جميع الأطراف بشكل عادل. لكن في مصر، يتم التعامل مع المستأجرين على أنهم “عائق” أمام التنمية، وليسوا مواطنين لهم حقوق. هل يعقل أن يُطرد أسرة عاشت في شقة منذ الستينيات دون أي ضمان لمستقبلهم؟ أين المسؤولية الاجتماعية للدولة؟
الخيارات المطروحة: كلها مرهقة للمستأجر
الحكومة تطرح خيارات مثل:
1. **التنازل عن الشقة مقابل وحدة في المدن الجديدة** – وهو خيار غير عملي لكثيرين، خاصة أن بعض هذه المدن تفتقر إلى المدارس والمستشفيات وفرص العمل.
2. **دفع إيجار بالسعر الجديد** – وهو مستحيل بالنسبة للمتقاعدين أو العمالة البسيطة التي لا تستطيع تحمل إيجارات السوق الحر.
3. **المغادرة دون تعويض** – وهو أسوأ السيناريوهات، حيث يفقد الشخص مسكنه دون بديل.
كل هذه الخيارات تخدم الملاك والمستثمرين على حساب المستأجرين، وهو ما يؤكد أن الدولة تخلت عن دورها في حماية الفئات الضعيفة.
إلى متى سيستمر الظلم؟
المستأجرون القدامى ليسوا مجرد أرقام في ملفات الحكومة، بل هم بشر لهم تاريخ وحقوق. التعديلات المقترحة على القانون يجب أن تراعي العدالة الاجتماعية، لا أن تكون أداة لاستكمال عملية النزوح القسري للفقراء من المناطق المركزية.
إذا كانت الحكومة صادقة، فلتقدم عقوداً مضمونة لوحدات سكنية ذات مواصفات لائقة في مناطق مناسبة قبل إخلاء أي شقة. ولتعلن عن تعويضات نقدية عادلة لمن يرغب في ذلك. أما أن يتم الوعود الكاذبة ثم ترك الناس لمصيرهم، فهذه ليست سياسة حكيمة، بل هي استمرار لمسلسل الظلم الذي لن يُنسى.
المستأجرون القدامى يستحقون حلاً عادلاً، لا وعوداً زائفة وتشريداً ممنهجاً. فهل من مستمع؟