سماء كمال — استشاري أسري وتربوي
==================================================
ابنتي ١٥ سنة كثيرة الشغب جامدة المشاعر ولا تسمع الكلام إلا عندما أصل لمرحلة الصراخ والعصبية، من صغرها ترد في كل شئ وردودها مستفزة تخرجني عن شعوري.
وهي وحيدة فأنا منفصلة عن والدها من حوالي ثلاث سنوات، ووالدها تزوج ولا يسأل عنها إلا على فترات متباعدة، ووالدي ينتقدوني دائماً على تربيتي لها وسوء معاملتها لي، مما يغضبني أكثر ويزيدني حدة وسوء معاملة لها، فأشعر وكأنها درّتي وليست إبنتي التي من المفترض أن تتصف بالحنان والطاعة. على الرغم من أنها تعامل أختي التي تصغرني قليلاً بأسلوب مهذب وكثيراً ما أغار من طريقتها معها وتجيبني أختي بأنني السبب لانني لا أعرف كيف أحتويها، حتى أصبحت العلاقة بيني وبينها سخيفة ومرهقة نفسياً لكلاً منا.
فماذا أفعل؟؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
سيدتي الفاضلة شكراً جزيلاً على ثقتك الغالية وأرجو من الله أن يقدرني على إفادتك، أصلح الله بينكم وجعلها قرة عينك إن شاء الله.
سيدتي لابد أن تعلمي جيداً أن العلاقة بين الأم وأطفالها علاقة تراكمية، يزداد رصيدها يومياً منذ الطفولة إلى ماشاء الله. طريقة تربيتك وتوجيهك لهم، إثابتهم وعقابهم ومدحك وذمك لهم، أسلوب حوارك معهم تعاطفي أم مشاركة أم تعليمي أم أمر ونهي كلاً حسب الموقف، وكل هذا يُفتح به ملفات لديهم منذ نعومة أظافرهم.
وعلى قدر وعيك لطرق وأساليب التربية يتشكل رصيدك لديهم، نوجه ونعلم في سن مبكر لنجني ثمار ذلك فيما بعد، فالعلاقة التي تبنى على الحب والتفاهم والحنية سوف تجنى ثمارها طاعة ومشاركة وإحترام، أما العلاقة التي تبنى على العنف والإهانة والتقطيم والمقارنة، سوف تجنى ثمارها كره وعدم طاعة وعند وكذب ومشقة لكلا الطرفين.
وبجانب هذا هناك عوامل إخرى يمر بها أبناءنا والتي تضيف عليهم العديد من المشاكل النفسية المعقدة مثل مرحلة المراهقة والتي تتطلب منا تدريب خاص وتعلم وتحكم في النفس للخروج بهم إلى بر الآمان.
والآن سؤالي لكِ سيدتي ما نوعية البذور التي لازمتك أثناء رحلتك مع إبنتك منذ نعومة أظافرها وحتى بلوغها أربعة عشر عاماً؟؟
الذي وصلني منك أنك شديدة العصبية، تريدين الأمر كن ف يكون، مشاعرك تقودك لا تقوديها. ومن تتحكم فيه مشاعره يصبح عرضه للكثير من المشكلات ويفقد لغة الحوار بينه وبين الآخرين. لذلك اسمحيلي حبيبتي قبل أن اعينك على إبنتك لابد أن أعينك أولاً على نفسك.
اعلم جيداً أن فكرة الإنفصال عن زوجك تسببت في العديد من المشاكل سواء على الناحية النفسية أو الإجتماعية، وقرار مثل هذا لابد أن يكون أخذ من طاقتك ونفسيتك الكثير ولكنه في ميزان حسناتك ولعله خير إن شاء الله.
المهم أن ثمرته هي ابنتك الغالية، إذن ف لابد لكِ من المحافظة عليها وتعويضها حياة جديدة مستقرة وأن تتعهدي أمام الله أن تكملي حياتك معها ببداية جديدة بعيد عن كل ضغوط الماضي وعنفه، تقبلي الماضي ودعيه يمر في هدوء وابدءي صفحة جديدة من الآن مع ابنتك.
ففشل زواجك لا يجب أن يتبعه فشل في عامة حياتك وخسارتك لإبنتك، بل لابد أن يقف عند إنفصالك عنه. أما إبنتك فهي مكسباً تستحق أن تجاهدي من أجلها.
ومن هنا سيبدء العمل الجاد بنية خالصة لله عز وجل على كسب ثقة ابنتك من أول وجديد، لن أسال عن تفاصيل معاملتك لها سابقاً، لأنها ظاهرة في الحاضر الذي تعانين منه الآن معها، خاصة وأن أختك لمست هذا وأبلغتك به. ف إبنتك طبيعية مع الآخرين، ولكن ربما هذا السلوك رد فعل لمعاملتك وعصبيك وظروفك النفسية التي مررتي بها.
المهم الآن عليك بعمل الآتي:
١-بداية تفهمي جيداً أن ابنتك في سن المراهقة والذي يصاحبه الكثير من التغيرات النفسية والجسدية، وحتى إن كان سلوك إبنتك هو الطاعة والإحترام قد نجدها في هذه المرحلة شخصية آخرى على النقيض، وبالرغم من ذلك، على الأهل مراعاة ذلك والتودد إليهم وكسب ثقتهم وتحمل تغيراتهم الهرمونية.
٢-سنعيد فتح حساب بينك وبينها، حساب من التقبل والود والإحترام والذي سيبدء منك أنت أولاً حتى تصدق مشاعرك وتقرب إليك بالمثل، بمعني آخر تناسي كل السلوك الذي حكيتي عنه وابدأي صفحة جديدة قربي منها احكي لها عن بعض أمورك وخدي رأيها واطلبي منها أن تأتي معك في بعض مشاويرك للإستفادة من رأيها.
٣-اسمعي لها متى حكت بإنصات ولا تقاطعيها وشاركيها بكل لغات جسدك وملامح وجهك.
٤-توقفي عن الصراخ ولا تكوني رد فعل لها صرخت تصرخي غضبت تغضبي وتعلمي كيف تتحكمين في نفسك قبل الوصول لهذا المرحلة، والأصل أن تتغاضي عن أخطائها قليلاً إن كانت لن تسبب الضرر الكبير، أما إذا كان الموقف لا يتحمل الصبر، ف إطلبي منها القليل من الوقت حتى تهدؤا وتتحدثوا بعد قليل حتى تفكري جيداً ماذا ستفعلين أو تتشاورين مع إختك إن كانت أكثر ارتباطاً بها لتمدك بوسائل التقرب منها.
٥-قللي من عبارات النصح ولازم ويجب ومينفعش .. وتقربي منها بأسلوب أكثر رقياً كمساعدة منك لها مع إحترام رأيها وإن وجدتي أن رأيها لن يضر إن وافقتي عليه فوافقي حتى وإن اختلفتي معه، لتتعلم أنك احترمي رأيها وتنازلتي عن رأيك مادام رأيها أيضاً ليس خطأ.
٦-تجنبي توبيخها أمام الغير حتى وإن كانوا والديك، بل زيدي من مدح سلوكها الجيد أمامهم وأمام أصدقائها وأهلكم.
٧-قوّمي طريقتها في الحديث والحوار ولن يتم ذلك بالنقد لكل لفظ تتلفظه ولكن بطريقتك معها ف حواراتكم اليومية، ولا تضعيها في أوضاع تستفز بها تخرجها عن شعورها، ف أسلوبك معها هو الذي يتخزن في عقلها الباطن وستسترجعه لا إرادياً عند اللزوم.
٨-ادعي لها كثيراً وخرجي صدقة بهذه النية ولا تهيني أبوها أمامها مهما عانيتي منه أو مهما تخلى عنها أو غاب في السؤال عنها، فهذا لوحده كافي بخلق الكثير من المعاناة النفسية لديها.
٩-دائماً اشعريها بأهميتها في حياتك وبأنها نعمة من الله ولا تشعريها بأنك تكرهين اليوم الذي تزوجتي فيه لأنها ستشعر لا إرادياً أنها ثمرة منبوذه لهذه الزيجة وستزداد قسوة.
١٠-حاولي أن تتعرفي بذكاء على صديقاتها بأن تدعوهن مثلاً للبيت وإن كن محترمات فأهلاً، أما لو العكس فعليك بقطع علاقتها بهن تدريجياً بأن تقللين من ذهابها إليهن.
وأخيراً تعاملي معها على أنها صديقتك وحبيبتك المقربة لا على أنها درّتك أو تستهوى عصيانك وغيظك، فهي مازالت طفلة مراهقة تعاني من عدة سلبيات نفسية سواء ببعدها عن والدها أو بتغيير هرموناتها أو بشكلها الإجتماعي الغير مكتمل أو بسوء معاملتك وعصبيتك ونقدك المستمر وغضبك عليها.
وتذكري أننا مرآة لأولادنا يتعلمون من تصرفاتنا اليومية وردود أفعالنا مرجع لهم، لا على نصحنا وصراخنا، ف كوني نعم القدوة ونعم الصديقة تكن لك نعم الإبنة المطيعة.