ابتسامات محمد عبد الله عشقت الوطنية منذ الطفولة لأن الأسرة تضم من يعمل بالشرطة ومن يعمل بالجيش لذا كانت تتمنى العمل في الجيش وبالفعل تحققت أمنيتها بل وتعد أول سيدة تلتحق بالجيش المصري وقد التقينا بها وجاء هذا الحوار.
• …………………………………؟
ابتسامات محمد عبد الله من مواليد عام 1927 في محافظة بنى سويف ووالدي حصل على لقب البكوية من القصر الملكي وكان يعمل كضابط مفتش غفر بمديرية أسيوط برتبة بكباشي التي تعادل مقدم الآن وهو مصري من ريف مركز ميت غمر التابع لمحافظة الدقهلية وأمي فاطمة فضل ابنة لسلطان إقليم الواو في السودان.
حضرت الأسرة إلى القاهرة وسكنت في منزل بشارع إسماعيل باشا أبو جبل بحى عابدين بالقاهرة وتم توثيق جنسية فاطمة فضل من سودانية إلى مصرية وشهد إسماعيل باشا أبو جبل ( الذى كان الشارع يحمل اسمه ) أن فاطمة ابنة السلطان فضل نور هى زوجة محمد بك عبد الله أمام الجهات الحكومية ووقع على هذه الشهادة كشهود إسماعيل باشا وشيخ الحارة وجرجس أفندي الموظف الكبير وجار الأسرة.
• …………………………………؟
تعلمت في المدارس الابتدائية الفرنسية ولم أكمل تعليمي الجامعي وفى يوم من أيام عام 1947 كنت لقرأ جريدة الأهرام وطالعت إعلانا يطلب التطوع في الهلال الأحمر ونظرا لعشقي للتمريض تقدمت بأوراقي إلى الهلال الأحمر وكان عمري 23 سنة وتم قبولي ودرست لمدة عام دراسة عملية وتحريرية وبعد أن انتهيت من الدراسة قرأت أيضا إعلانا عن طلب 75 متطوعة للقوات المسلحة بالقسم الطبي فذهبت إلى شقيقي الأمين استأذنه.
• …………………………………؟
تقدمت بأوراقي وتم قبولي وجاء موعد المقابلة الشخصية للاختبار فى مستشفى كوبرى القبة العسكري وكان يديره وقتئذ اللواء سعيد شعير واختبرتني ناهد رشاد زوجة يوسف رشاد الوصيفة الأولى للملكة ورئيسة المتطوعات وكانت برتبة صاغ ( رائد ) .
• …………………………………؟
بعد اختبارات شاقة تم اختيار 7 فقط من بين 75 وكنت الفتاة الأولى عليهن وحصلت على رتبة ملازم.
• …………………………………؟
تعلمت المبادئ العسكرية لمدة 45 يوماً وتم توزيعي مع زميلاتي على المستشفيات العسكرية في حلمية الزيتون وكوبرى القبة والعجوزة وبعد أسبوع من التوزيع بدأت حرب 1948واشتدت فى فلسطين فقالت ناهد رشاد : يا بنات من ترغب منكن في مرافقتي ضمن فريق المستشفى الميداني الذاهب إلى غزة لأن الحرب اشتدت والإصابات كثيرة ..ترفع يدها فرفعت يدي مع مجموعة من زميلاتي وكنت الرابعة فحزنت لأنني كنت أريد أن أكون الأولى .
• …………………………………؟
طلبت ناهد رشاد موافقة الأسرة فذهبت إلى المنزل وبدأت في إقناع الأسرة وتدخل اللواء محمد نجيب فوافقت وأقلعت الطائرة من مطار ألماظة الجوي وبعد حوالي ساعة من الطيران وصل فريق التمريض مستشفى العريش لانتظار القطار الذي سوف ينقل الممرضات إلى غزة.
• …………………………………؟
جاء القطار في الموعد المحدد وكان مرسوما عليه الهلال الأحمر رمز الصحة ووصلت مع الممرضات إلى غزة وأقمت مع ناهد رشاد فى نفس الغرفة.
• …………………………………؟
رحلة العشرة أيام التي قضيناها بين الجرحى كانت عذابا ليس بعده عذاب فطوال النهار والليل نستمع إلى أنين الجرحى وكثيرا ما يستشهد بعضهم ويتم دفنهم إلى جوار المستشفى ولكني كنت أحضر لمرضاي جرامفون وأسطوانات للمطرب المحبوب جدا وقتها عبد العزيز محمود ونجحت بالفعل في التخفيف عن الجنود والضباط ولذلك كنت محبوبة بينهم وأكثر ما آلمني صرخة مجند جريح ..أنا عايز أرجع الميدان علشان آخذ حقي وحق بلدي .
• …………………………………؟
في غزة لجأ جيش الصهاينة إلى حيلة غريبة جدا إذ حقنوا المجندات اليهوديات بفيروسات مثل الزهرى والسيلان وهذه الأمراض كان علاجها صعباً وكانت المجندات اليهوديات يقفن على مقربة من جبهتنا ويقمن بإغراء المجندين المصريين واليمنيين والفلسطينيين والقوات المشاركة فى حرب فلسطين.
• …………………………………؟
كان من ضمن عملنا أيضا أثناء مأموريتنا بالجبهة المرور على الكتائب العسكرية لتضميد الجروح المتوسطة والصغيرة للضباط والجنود التي لا تستدعى نقل المصابين بها إلى المستشفى وكانت أجواء حرب غزة في غاية الصعوبة وكان الجنود على الرغم من قلة السلاح والخيانة إلا أن المقاتلين العرب الذين تطوعوا للحرب من جميع البلاد العربية لنصرة فلسطين كانوا في منتهى الشراسة والبسالة.
• …………………………………؟
أيضا كانت أحوال الجبهة العربية مقلقة وكل شيء يوحي بالهزيمة فالأسلحة رديئة والقوات محاصرة بالأوبئة والأمراض وكانت الأطعمة والمهمات تنفد ولا يأتي المدد إلا بعد معاناة فضلا عن الخيانة إذ كان يوميا يتم القبض على 10 من الجواسيس لصالح إسرائيل ورغم كل ذلك حققنا انتصارات يوم 23 مايو عام 1948 إذ تمكن البطل أحمد عبد العزيز ومعه الفدائيون من السيطرة على منطقة عراق سويدان والجبهة الشرقية وأيضا الغربية وتمكنت قوات جيش الخلاص من قطع خطوط إمداد المؤن للجيش الإسرائيلي وقامت قوات جيش التحرير العربي بتكبيد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في منطقة الجبهة الإسرائيلية الوسطى وحتى منطقة أبو عجيلة والعوجة فارتفعت معنويات القوات المصرية والعربية إلى عنان السماء حتى أن بعض المصابين في المستشفى لم ينتظروا حتى تنتهي فترة العلاج وقاموا بحمل سلاحهم وتوجهوا إلى الجبهة ولكن فجأة صدر قرار الهدنة وكان بمثابة مؤامرة في حد ذاتها حيث تمكنت القوات الإسرائيلية خلال شهر الهدنة من إعادة ترتيب صفوفها وتجهيز قواتها.
• …………………………………؟
بعد صدور قرار الهدنة عدت مع زميلاتي إلى مصر وأصدرت الأميرة فوزية رئيسة الهلال الأحمر قراراً بعودة المتطوعات إلى القاهرة وتوزيعهن على المستشفيات العسكرية ونقل المصابين فى الميدان بالطائرات إلى القاهرة لتلقى العلاج وتسلمت عملي في مستشفى العجوزة العسكري وفجأة جاء اللواء محمد نجيب كجريح في مستشفى العجوزة فداعبني بقوله : أنت بتعملي أيه هنا ؟ فرديت الدعابة بمثلها : أنا مستنياك يا سيادة اللواء.
• …………………………………؟
بعد أيام من العودة عام 1948 جاء شهر رمضان وتلقيت دعوة على الإفطار من الملك فاروق وأهداني ساعة يد ذهبية ومنحني نوط الجدارة والامتياز المرصع بالذهب.
• …………………………………؟
أيضا بعد عودتي من غزة تمت دعوتي لحضور مباراة لكرة القدم بالاتحاد الرياضي للقوات المسلحة وتعرفت على محمد حبيب الذي ذهب بعد يومين إلى ضابط الشرطة الأمين عبد الله شقيقي وأخبره برغبته في الزواج مني ولكن رفض طلبه بحجة أنه شاب خام ولكنني تمسكت بالارتباط به.
• …………………………………؟
ذهبت إلى اللواء محمد نجيب قائد حرس الحدود وقلت : أنكل محمد الحقني لقد تقدم محمد عبد الله إلى شقيقي لأجل خطبتي ولكن شقيقي غير موافق فأرجو أن تتدخل وتسأل عنه.
• …………………………………؟
سأل اللواء محمد نجيب عن العريس وعرف أنه شاب خام فاتصل بي وقال : الولد ده هايل وخام أكتر منك ثم اتصل هاتفيا بشقيقي وقال له : يا أمين وافق على العريس لأنه ضابط ملتزم وأخلاقه ممتازة.
• …………………………………؟
تمت الموافقة وكان محمد نجيب وكيلي وتم الزواج فى فيلا يوسف رشاد طبيب الملك الخاص وزوج ناهد وبعد 3 سنوات انتقلت مع زوجي للعيش في شقة مستقلة.
• …………………………………؟
ارتبطت وأسرتي بعلاقة قوية مع اللواء محمد نجيب لأن والدته سودانية ووالدتي سودانية أيضا بالإضافة إلى أن والدتي وأخوتها وزوجها كانوا ضباطاً بالجيش معه وكان محمد نجيب يحب دائما أن يأكل من يدي الأكل السوداني والجمبرى المخلي .
• …………………………………؟
قبل اندلاع ثورة 23 يوليو عام 1952 حضر اللواء محمد نجيب في ساعة متأخرة من الليل إلى منزلي ومعه حقيبة وأعطاها لى وطلب مني أن أخفيها لمدة يومين ولا أعرف أي إنسان بها.
• …………………………………؟
امتلك الخوف قلبي ولكن اللواء محمد نجيب قال : لا تخافى فليس بها فلوس لكنها أوراق خاصة بحرس الحدود وانتخابات نادى الضباط.
• …………………………………؟
فى اليوم التالي عاد اللواء محمد نجيب إلى منزلي وأخذ الحقيبة ثم قامت الثورة فى اليوم الثالث وهنا علمت أن الحقيبة كانت منه تضم الأوراق الخاصة باجتماعات مجلس قيادة الثورة وتولى محمد نجيب رئاسة الجمهورية.
• …………………………………؟
بعد 3 شهور من اعتقال اللواء محمد نجيب تم السماح له بالخروج من محبسه برفقة الحرس وكنت أول من زاره ودار بيننا حديث طويل وقلت له : أنا حزينة لما حدث لك يا أنكل محمد.. فقال لأ ماتزعليش .. المهم إن البلد بقت أحسن والثورة نجحت وشباب مجلس قيادة الثورة فرحانين.
• …………………………………؟
في أحد الجمعة كان زوجي يصلي في الجامع الأزهر وفوجئ بصديقه الرئيس جمال عبد الناصر في الجامع بدون حراسة ولا مرافق فأبدى زعره من ذلك خاصة أن المسجد كان ممتلىء عن آخره ولذا أصر بحماية الرئيس وعندما علم المشير عبد الحكيم عامر بالأمر حضر مسرعا مع السادات في عربة جيب عسكرية ليكونا إلى جوار الرئيس جمال عبد الناصر ومما زاد من قلقهم أن اكتشفوا أن بعض المصلين يحملون أسلحة.
• …………………………………؟
كتبت إلى المشير محمد حسين طنطاوى خطاباً تظلمت فيه من الإهمال وقلت : أنا أخت الأمين والمؤتمن اللذين كنت تلعب معهما بمنطقة البرمونى بعابدين مع الفنان فؤاد المهندس والفنان محمد رشدى وسردت له هذه الأيام وبعد وصول الخطاب للمشير طنطاوي أرسل لى عقيدين لمعرفة مطالبها وكرمها .
• …………………………………؟
البكباشى الأمين محمد عبد الله كرمه الملك فاروق بعد أن تمكن من القبض على قتلة المندوب السامى البريطانى قبل إعلان الحماية البريطانية على مصر وأنا أول سيدة تشارك ميدانيا في الحروب العربية في عصرها الحديث وأول سيدة مصرية تحصل على رتبة ملازم أول وأول سيدة تحصل على نوط الجدارة والاستحقاق من الملك فاروق أخر ملوك مصر والذي منحني ساعته الذهبية تقديراً لدوري المشرف في تمريض مصابي حرب 1948م في المستشفى الميداني الذي أقيم خصيصا داخل أحد المنازل فى مدينة غزة لتضميد جراح جنود وضباط العمليات العسكرية والفدائية في هذه الحرب.