بقلم:امير ماجد
القصة قصة مؤلمة لرجال ونساء يتحملون البرد القارس وكل عناء لتوفير لقمة خبز لموائد خالية وعيون منتظرة. أبناؤهم ينامون كل ليلة بإحلام حلوة بتمتع عيش سعيد دونما أي محنة لكنه ببزوغ الفجر يصطدم حلمهم الحلو بواقع مرير يحوّله إلى افتراض مستحيل. إن قصة أبويهم المتكررة باتت رسالة رثاء…
مصرع 2000 عامل حين الإشتغال سنويا في إيران
تؤكد الدراسات أن نحو 2000 شخص سنويا يفقدون حياتهم خلال أحداث ناجمة عن ممارسة أعمالهم ما يندرج في إطار المناجم وأعمال البناء حيث يشير أحد وكلاء وزارة العمل إلى أن ”الأمراض المهنية الناجمة عن البيئة المليئة بالمواد والغازات الخطيرة والتي تؤدي إلى وفاة العمال تعادل نحو 12 أضعاف للأحداث المميتة الفعلية” (وكالة أنباء ايرنا الحكومية – 30 نيسان 2016)
ولا ريب في أن ما يعلنه نظام الملالي من إحصاءات، قد خالفت ويخالف الواقع في كل مجال يرتبط خاصة بجماهير العمال المليونية غير أن هذه الإحصاءات المعلنة عن الضحايا من جانب النظام أيضا تؤكد على واقع مروع عن ظروف الإشتغال وواقع حال العمال تحت حكم الفاشية الدينية في إيران.
إضافة إلى صعوبة العمل والرواتب القليلة لليد العاملة واستغلالها في إيران ما يسفر عن تكدّس القيم الإضافية البالغة ألف ونيف بالمئة لدى أصحاب رؤوس الأموال إن حكومة الملالي كذلك تستخدم آليات أخرى على غرار خفض تكاليف الإنتاج الهادف إلى ممارسة المزيد من ابتزاز ونهب أجور العمال وإن أكثر مناهج خفض تكاليف الإنتاج قذارة وتناولا في اليد هو الإمعان في الإقتصاد في تكاليف تأمين ظروف وبيئة العمل والإنتاج حيث باشرت وتباشر بهذا العمل الخبيث الشركات الحكومية وشبه الحكومية والشركات المقاولة التابعة لها إزاء تعريض حياة أرواح العمال للخطر في هذه الأماكن.
وخلال السنوات الفائتة قد كان كل من فقدان وسائل وتجهيزات الأمان المتقدمة ولا مبالاة كاملة تجاه ظروف الوحدات الإنتاجية والأعمال الشاقة والخطيرة من قبيل المناجم والمباني والعمل بالمواد المحترقة والمضرة بصحة الإنسان و… يشكل السبب الرئيس لجميع الأحداث المؤدية إلى مقتل أو عوق العمال حين الإشتغال.
20 ألف حادث مهني سنويا، نصيب العمال الإيرانيين
حسب الإحصاءات المنشورة يقع سنويا نحو 20 ألف حادث مهني 15 إلف منها في قطاع البناء يليه قطاع المناجم والصناعة من حيث عدد الوفيات حيث أعلن الطب العدلي هذا العدد 1891 شخصا وأعلنته وزارة العمل 1150 وهيئة الرعاية الإجتماعية 120 شخصا في السنة الماضية فيما لا تغطي الرعاية الإجتماعية 90 بالمئة من ضحايا هذه الأحداث وتعلن وزارة العمل أيضا إحصاءات تتطرق فقط إلى عمال يرتبطون بتأمين من وزارة العمل مثل تأمين الأحداث وغيرها.
5 عمال إيرانيين يفارقون الحياة يوميا
وتؤكد الإحصاءات على مفارقة معدل 5 أشخاص حياتهم يوميا وتقع هذه الأحداث في معظم الأحيان في موسم الصيف وأحيانا الصباح والسنة الأولى للإشتغال، بين المتزوجين والنساء والأطفال والنازحين الأكثر تعرضا للأضرار فيما تتعرض الفئة العمرية 20 إلى 30 سنة للأحداث أكثر من غيرها.
ما يزيد على 12 ألفا يفقدون حياتهم في أحداث مهنية
أفادت منظمة الطب العدلي بفقدان حياة نحو 12 ألفا و436 شخصا في معرض الأحداث المهنية خلال 10 أعوام تتراوح بين سنة 2004 إلى 2014 و51 بالمئة منهم شاغلين في قطاع البناء و31 بالمئة من العدد يعود إلى أسباب مرتبطة بأحداث مهنية ناجمة عن غياب الإشراف وفي مجال الأمان 4 بالمئة من العمال المدربين في الأمان بشكل عام و90 بالمئة من عمال المناجم يفتقرون إلى الصحة والأمان اللازمين.
الأمراض المهنية تتربص بالعمال
في الوقت الراهن، تمثل الأمراض المهنية المؤدية إلى الوفاة 6 إلى 12 أضعافا للأحداث المترتبة على المهن فيما لا تتطابق أجساد 20 بالمئة من العمال الإيرانيين وأدوات عملهم كما 48 بالمئة من أدوات العمال غير مناسبة و90 بالمئة من معامل البلاد تعيش ظروفا سيئة من حيث الصوت كما لا تنتشر إحصاءات مؤثقة عن تصعيد ملحوظ للأمراض المهنية.
عدد الخدمات الصحة العمالية
حاليا تتواجد 3000 بيت صحي عمالي و1800 رجل الصحة و800 مفتش لـ 12 مليون عامل أو 2.5 مليون مصنع تحت رعاية قوانين العمل و5400 منجم ما يعادل مفتشا واحدا لكل 15 ألف شخص.
أكثر الأضرار شيوعا في البيئات العمالية في إيران
وفقا لتحقيق مشترك جرى بين وزارة الرخاء ومركز الدراسات الصحية في البلاد، إن كلا من عدم تأمين بيئة العمل وغياب التدريبات الضرورية للعمال وانعدام التجهيزات والإمكانيات المتقدمة ولا مبالاة أصحاب العمل بقوانين العمل أدى إلى أن تكون هذه الإحصاءات في البلاد تفوق القياسات الدولية ما يؤكد دوما مفتشو العمل حين تفقدهم المراكز الصناعية والإنتاجية وإن كلا من الإنقطاع والإنكسار والسقوط وبتر اليد وأصابع اليد يكون من أكثر الأضرار شيوعا في البيئات العمالية في إيران.
وتتمثل أحداث العمل التي في الغالب تقع في موسم الحر على التوالي في: السقوط من الأعالي واصطدام الأجسام الصلبة والتكهرب والإحتراق والإختناق الناجم عن فقدان الأوكسيجن وتصادم منشآت البناء مع الرأس والظهر ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الشلل، هذا ويواجه العمال الذين يشتغلون بالإسمنت مشاكل وأمراض عديدة منها تآكل أنسجة الجسد وتضرر الرئة والعيون والحساسية.
الرواتب المتدنية مصيبة العمال
أحد أسباب الأحداث المهنية هو الرواتب المتدنية إذ إن العمال يضطرون إلى العمل الإضافي أو ممارسة مهنتين أو 3 مهن إذن يتعرض العامل الذي يُرغم على العمل 15 إلى 18 ساعة بدلا عن 8 ساعات فيواجه مخاطر أكثر حين الإشتغال بالمكائن لكونه أقل تركيزا على العمل كما أن العامل الذي لا يشعر بأمن مهني ولا يطمئن إلى إعاشة عائلته غدا فيكون عرضة للأحداث المهنية على نحو أكثر.
ويكون غياب الجمعيات العمالية المستقلة من ضمن أسباب فقدان الإشراف على إمكانيات الأمان والصحة فيما تصاعد الأرباح يسفر عن اقتصاد أصحاب العمل في توفير وسائل الأمان مثلا لا يتوفر على نحو كاف للعمال حزام الأمان للعمل على فوق التعريشة وخوذة الأمان ومنظومة التهوية في المعامل والكمامة وحتى الحليب لمن يشتغلون بالرصاص.
الغموض تكتنف إحصاء الأحداث التي تطال العمال الذين لا يتمتعون بحق التأمين
إن أحد المشاكل في إحصاء الأحداث في إيران يعود إلى الغموض في عدد من لا يغطيهم تأمين الرعاية الإجتماعية منهم عدد كبير من العاملين في المصانع الصغيرة. (ايسنا 8 أيار 2016)
وتفيد قرائن ونتائج الدراسات بأن معايير صحة العمال في أمراض غير معدية والأضرار الإجتماعية المماثلة للفقر والطلاق والعنف العائلي وفي بيئة العمل لا تشير إلى تحسن.
وإيضاحا عن تقديم الخدمات الصحية للعمال أكد الدكتور بهزاد دماري مساعد المؤسسة الوطنية للدراسات الصحية 9 أيار 2016 لوكالة أنباء ايسنا الحكومية أن ”الدراسات تبيّن ارتفاع الأحداث المهنية 3 أضعاف بين سنة 2002 إلى 2012 فيما لا تغطي منظمة الرعاية الإجتماعية 90 بالمئة من ضحايا هذه الوقائع”.
تحديات البيوت الصحية العمالية
وفقا لهذه الدراسة التي جرت قبل سنة، لا رزمة خدمية مدونة للمشاكل الصحية للعمال تلوح في الأفق أو تكون ناقصا ضئيلا غير مستمر ومن ضمن الموضوعات المطروحة في الدراسة بإعتبارها تحديات البيوت الصحية العمالية في الوقت الراهن هو ضعف التعامل بين جزء من منظمة الرعاية الإجتمعية حول تجهيز وتفعيل هذه البيوت خاصة في المناطق المحرومة والضعف في إرشاد أصحاب العمل على فوائد إنشاء وحدة لتقديم الخدمات الصحية المحترفة ونقص وعي العمال في المباني الصحية المحترفة.
تفشي الأمراض غير المعدية بين العمال
على الأقل على مدى العقد الماضي، لا تؤكد مؤشرات صحة العمال على تحسين في مجال الأمراض غير المعدية من قبيل حالات السرطان والنوبات القلبية والوريدية وضغط الدم وسكر الدم والأمراض العضلية والعظمية والأمراض التنفسية والأحداث المهنية والإضطرابات النفسية ما يشهد ارتفاعا في السنة الماضية يبلغ 24 بالمئة وكذلك الأضرار الإجتماعية الممثالة للفقر والطالق والعنف العائلى وفي بيئة العمل والخلافات العائلية.
كم سنة يبقى العمال الإيرانيون أحياء بعد التقاعد؟
حسب آخر الدراسات، مازال العمال الآلمان يأملون بالحياة بعد 30 سنة على تقاعدهم غير أن العمال الإيرانيين الشاغلين في المشاغل الشاقة والمضرة يفارقون في معظم الأحيان حياتهم بعد نحو 3 سنوات على التقاعد نتيجة إصابتهم بأمراض وفي الوقت الحالي تشكل الأمراض المهنية المؤدية إلى الوفاة بنسبة 6 – 12 ضعفا للأحداث المهنية.
يعدّ غياب الجمعيات العمالية المستقبلة من أهم أسباب انعدام الإشراف على إمكانيات الأمان والصحة للعمال بينما سبق أن انتشرت بلاغات تؤكد على حظر الإحتجاجات المهنة العمالية. (مركز دراسات العمال 14 آذار 2014)
وبعد مرور 37 سنة على حكم نظام الملالي الغاشم يتفاقم الواقع المعيشي الأمني المهني للعمال يوما تلو يوم فيما يخنقهم خط الفقر إلى حد الموت جوعا وبطالة.
في الختام من الأحرى أن نلقي نظرة إلى آخر إعترافات أدلى بها مسؤولو النظام:
وتبيّن ذعر رموز النظام من هذه الظروف وقيام العمال المحرومين والعاطلين عن العمل مرارا وتكرارا في تصريحاتهم وفي هذا المجال نكتفي بذكر أقوال كاظم جلالي العضو في برلمان النظام وما قاله خلال جلسة للبرلمان في 15 أيار حيث أكد: ”لنعترف بأن مستوى أوضاع البلاد الداخلية لا سيما في مجال المعيشة والإقتصاد سلبي أو متدن للغايه وتقترب بطالة الشباب خاصة المتعلمين منهم إلى ساعة الصفر مثل قنبلة موقوتة فلنتوخ الحذر من أن صبر الناس المستضعفين الحافين بدأ ينفد…”.
نعم الواقع هذا. إن اعتراف مسؤولي وبيادق النظام من كلتا الزمرتين بوضع العمال المتدهور لم يأت من باب الشفقة وإنما خوفا من إطاحة هولاء العمال المحرومين ومقاومة الشعب الإيراني بنظام الملالي النهاب ما يتحقق عاجلا أم آجلا، أملا بذلك اليوم.