رغم أن الأمر كان واضحاً منذ البداية، إلا أنه لم يظهر أي رئيس جمهورية في إيران (!) أنه مجرد مُعيَّن، وأن الأمور كلها في إيران بيد “الولي الفقيه الحاكم” مثلما فعل مسعود بزشكيان. صرح بزشكيان نفسه إنه دخل الساحة الانتخابية من أجل الحفاظ على النظام، حيث كان يراه في خطر! (موقع “جماران” – 19 يوليو 2024). كما قال بنفسه إنه “إصلاحي محافظ”! وهذا هو «جوهر القضية» في نظر الشعب الإيراني، وهذا كل شيء. كما قال بنفسه إنه «إصلاحي محافظ»! وهذا هو “جوهر القضية” في نظر الشعب الإيراني، أي أن هذا هو التناقض واللعبة السياسية. بمعنى أن جوهر طبيعة دكتاتورية ولاية الفقيه هو أن يكونوا لصوصًا وقَتَلة في آنٍ واحد!
الدكتاتورية قائمة والنظام الجمهوري غائب!
الحقيقة هي أنه يوجد في إيران الكثير من “الرؤساء”، لكن لا وجود لدولة جمهورية، فهي مجرد وهم. ” لأن الولي الفقيه هو من يعين جميع الرؤساء، كما أنه لا يستمد شرعيته من الشعب. ولهذا يقال إن هذا النظام هو نظام “غير شرعي”!
حكومة خامنئي!
منذ البداية وحتى الآن، لم يتوقف النظام الديني الحاكم في إيران قط عن “الإعدام“، ولم يكف أيضًا عن التوسع وإشعال الحروب والإرهاب فحسب، بل وجد في هذه الأمور ضرورة لبقائه وجعلها جزءًا من سياسته الأساسية. والآن، وبعد نحو 45 عاماً، لجأ خامنئي ونظامه، في دوامة الأزمات الداخلية والإقليمية، والخوف من انتفاضة الشعب؛ إلى القتل الجماعي للسجناء. لقد استأنفت دوريات الإرشاد المشؤومة ممارساتها، ويستمر قمع النساء والفتيات في الشوارع والأزقة، كما يستمر القتل اليومي بلا هوادة للعتالين وناقلي الوقود الفقراء. وقد صرح بزشكيان مراراً وتكراراً بأنه قد تم تقديم حكومته بناءً على رأي خامنئي وبعد موافقته. لقد أطلق الشعب الإيراني على حكومة بزشكيان لقب “حكومة الإعدام”!
وحسب قول بزشكيان، فإن حكومته ليس لديها أي خطة سوى تنفيذ سياسات خامنئي. في حين أن خطة عمل الشعب الإيراني وسياسته هي إسقاط خامنئي ونظام ولاية الفقيه برمته، وإقامة جمهورية ديمقراطية. قالت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: “إن حكومة بزشكيان هي مزيج من عصابات الجريمة والنهب في حكومتي رئيسي وروحاني. إذ أن بزشكيان قد قال منذ البداية إنه جاء لأنه كان يرى أن النظام في خطر. والآن يتزايد هذا الخطر أكثر فأكثر نتيجة للصراع والجدال بين العصابات المتنافسة داخل نظام الملالي”.
معنى حكومة الوفاق الوطني!
قدم بزشكيان حكومته بوصفها “حكومة وفاق وطني”، في يوم الثلاثاء، 30 يوليو 2024. ولم يمض وقت طويل بعد إعلان الحكومة الجديدة، حتى أعلن جواد ظريف، الذي كان له دور رئيسي وبارز في تعزيز أهداف وبرامج مسعود بزشكيان خلال الحملة الانتخابية، والذي كان بزشكيان قد عرّفه كمساعد استراتيجي له؛ فجأة عن فشله وقرر الانسحاب من الاستمرار في ممارسة نشاطه، مما يعني حدوث تغييرات مفاجئة وغير متوقعة في السياسات الداخلية والفرق الاستشارية بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وبهذا يتبين أنه بعد هلاك إبراهيم رئيسي تسرب كل ما كان في جعبة خامنئي! الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى “انشقاقات” كبيرة!
رغم الضجيج والدعاية التي أثارها بزشكيان والمحيطين به خلال مسرحية الانتخابات وتحضيرات مجلس الوزراء بإطلاق بعض الكلمات، من قبيل “التطور الداخلي” و “التفاعل مع الخارج”، فإن ما يظهر الآن في تشكيل حكومة بزشكيان هو استمرار لسياسة «الانكماش» والفشل المدوي لـ “التطور والتفاعل”. وأعلن محمد جواد ظريف، المروج والمنظم الرئيسي لعروض بزشكيان الترويجية؛ عن هذا الفشل باستقالته، وكتب في شرح سبب استقالته: “أعتذر عن عدم قدرتي على متابعة الأمور في أروقة السياسة الداخلية”.
الوضع في إيران متفجر، وبسبب أي شرارة ستنفجر هذه “الغرفة المليئة بالغاز” عاجلاً أم آجلاً، كما قال إسحاق جهانكيري. ومن الممكن أن يتحول أصغر شق، في أقصر وقت، إلى صدع يجتاح كيان نظام الملالي بأكمله. وبسبب الخوف من مثل هذا الاحتمال، لجأ خامنئي وحكومة بزشكيان إلى ارتكاب المزيد من جرائم عمليات الإعدام الجماعية. ولكن هل هذا الأمر سيفيد النظام بأي شكل من الأشكال؟ بالطبع لا! وبالتزامن مع بدء عمل بزشكيان وتقديم حكومته، سُجلت إعدامات جماعية في إيران على نطاق لم يسبق لها مثيل منذ 30 عامًا، مما يؤكد استمرار الأحداث الدامية.”
الوضع المعيشي في إيران!
تحدثت وسائل الإعلام الحكومية عن التمهيد لزيادة أسعار الخبز في 10 محافظات في البلاد. تشير التقارير في الوقت الراهن، على نطاق أوسع وبشكل أكثر رسمية؛ إلى زيادة نسبتها 25 في المائة في أسعار الخبز في مناطق واسعة من البلاد.”
ليس غلاء الخبز هو السبب الوحيد في انتشار المجاعة التي تهدد ملايين الفقراء. ففي الوقت الحالي، أدى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وما يترتب عليه من انقطاع المياه وتعطل أجهزة التبريد في حرارة الصيف الشديدة، خصوصًا في المناطق الجنوبية من البلاد؛ إلى إرهاق الناس وعدم قدرتهم على تحمل المعاناة.
توجه بزشكيان بمعية أعضاء حكومته إلى مجلس شورى الملالي، يوم السبت 17 أغسطس. وتحوَّل المجلس إلى ساحة للصراع والنزاع. وبينما كان يشيد بخميني، والحرسي قاسم سليماني، ورئيسي، قال خوفاً من الانقسام داخل الحكومة: “إن عدم الوحدة والتماسك يعني هاوية النار!” والتهاون وعدم الوحدة وعدم الوفاء بالعهود يعني حافة النار! وقال أيضًا: ” إذا ما استمررنا على هذا المنوال، فمن الجنون الاعتقاد بأننا سنحقق أي هدف”.
وعندما توجه إلى المجلس لتقديم حكومته انتفض لدعم أعضاء حكومته أثناء الإشارة إلى وضع نظام الملالي الحرج والأزمات الجوهرية التي يعاني منها هذا النظام الفاشي، قائلاً: ” تم فحص أكثر من 10,000 ملف شخصي، وتم اختيار هؤلاء الأعزاء الجالسين أمامكم الآن. صدقوني، إن الفريق الذي قدمناه إلى المجلس هو الفريق الذي كان في متناول قدرتنا. إنه رمز للوفاق، رمز للتضامن بين حكومة رئيسي، وحكومة روحاني، وحكومة أحمدي نجاد”. ولذلك، عندما نتحدث عن الوفاق الوطني ومجلس وزراء الحكومة، فإن المقصود هو الوفاق بين عصابات السرقة والنهب التي تشارك في الحكم، ولم ولن يكن لها أي علاقة بالشعب الإيراني.
وقال أحد أعضاء المجلس: “يقول شعبنا اليوم إنكم خدعتمونا في الانتخابات. ولم تثقوا بأي شخص من أبناء السنة في تشكيل الحكومة، ولم يساهم أي شخص في إحباط ويأس هذا الجزء الهام من المجتمع السني والشعب الإيراني بقدر ما فعل تشكيل حكومتكم”.
وبالتالي، في اليوم الأول من اتصال مجلس شورى الملالي بالحكومة المسماة بحكومة بزشكيان للوفاق الوطني، وعلى الرغم من أنه حاول عبور هذه المرحلة بالخلط بين حكومات سابقة، إلا أن نيران الصراع والنزاع والخطرات التي تهدد نظام خامنئي المنكوب بالأزمات قد اشتعلت بشدة. من بعد اليوم، هناك غدٍ أيضًا!”