إن كنَّا صادقين في قيمنا وانتماءاتنا، فمن الصعب السكوت عن حديث قادة ملالي إيران الذين يدعون الإسلام وهم يتحدثون عن أمجاد تاريخية لهم على سواحل البحر المتوسط قبل حقبة الإسكندر المقدوني. اليوم، يحاولون إحياء تلك الأمجاد من جديد، ويتواجدون على سواحل بحر العرب والبحر الأحمر والبحر المتوسط بفضل جنودهم في اليمن ولبنان وغزة والمنطقة برمتها. الحقيقة هي أنهم شوهوا التاريخين القديم والحديث، فلا هم مثلوا الشعب الإيراني وتاريخه، ولا هم مثلوا الإسلام المحمدي الحنيف.
إننا هنا لا ننكر على أحد تاريخه؛ فتلك ملكية شعوب جديرة بالاحترام. لكننا بتعليقنا على ذلك، نريد تقبيح وجه الإدعاء والاستخفاف بعقول ومشاعر البشر. ونتساءل: أي راية يحمل ويمثل ملالي إيران؟ أيمثلون راية الإسلام كما يدعون أم يمثلون راية الإمبراطورية الفارسية القديمة؟ الحقيقة أنهم لا يمثلون أياً من الرايتين، بل شوهوا كلا الرايتين. إذ لا يمثل الإسلام إلا المنتمون الصادقون، ولا يمثل التاريخ إلا الصفوة المنتمون. التاريخ هو تعبير عن أنماط حضارية لحقبة معينة يتم تمثيلها وإحياؤها بطرق أكثر حضارية، وليس بهذه الأنماط البربرية التي تثير الاشمئزاز بكذبها بشأن ما يرفعونه من شعارات باسم الإسلام ورسوله (ص) وآل بيته (ع). هم يسقطون شعاراتهم بأنفسهم من خلال نهجهم وممارساتهم التي لا علاقة لها بالدين ولا بآل البيت على الإطلاق.
هنا، تسقط شعارات الملالي باسم الإسلام الذي يقبح الجاهلية. هم لم يتركوا الجاهلية، بل غلبت عليهم جاهليتهم وفضحتهم سلوكياتهم وتصريحاتهم التي تقربهم من الجاهلية أكثر من علاقتهم بالإسلام المحمدي الحقيقي الذي يصعب عليهم تمثيله. تتناغم سياستهم مع المخططات التي أدار ويدير بها الغرب المنطقة العربية من خلال حقبتين بائستين لا تنتميان للحقائق التاريخية، ولا لمتطلعات الشعب الإيراني.
لا تصدر هكذا تصريحات إلا عن نهج عدواني توسعي مغرور يتباهى باستخدام أبناء المنطقة كأدوات لتحقيق أمجاده وتطلعاته. بالنتيجة، باتت قدسية القدس أكذوبة تتلاشى وهم يمكنون الأعداء منها. كربلاء والنجف بلا قدسية، تجتاحهما المثلية ويسودهما الفسق والفجور والباطل. وفق نهج إن كان مخططًا له، فتلك كارثة ستفتك بالقاصي والداني على حد سواء، ونظرة بسيطة على مسار الأوضاع في المنطقة منذ عام 2003 كفيلة بإثبات ذلك. وإن كان من المسكوت عليه، فهو قبح وعار تحت مظلة ما يسمونه بـ “المرجعية”. والتفسير بين السطور؛ نعم، هو قبح تموله سلطة الصعاليك في العراق الجديد.
الغريب في الأمر أنَّ قيصر طهران لا يرى فيمن حوله ممن يتبعه إلا قطعانًا مخدرة تسبح بمجده ووجوده الهلامي، وتسير خلف إيماءاته المستخفة بهم وبوجودهم على غير هدى. يفتدي نفسه بهم وبمصيرهم ومصير بلدانهم دون أدنى حرج أو شعور بالمسؤولية أو انتماء للإنسانية. في هذا العصر، لم يعد بالإمكان إخفاء نواياهم، فقد فضحت وسائل التواصل الاجتماعي أفعالهم في إمبراطوريتهم الظلامية وسجونهم وشوارعهم وبيوتهم وفي حدائقهم الخلفية بالعراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن. على الرغم من هذه النظرة الدونية من القيصر لقطعانه، إلا أنها تعشق العبودية تحت أقدامه. وليتها كانت عبودية لله تصون الكرامة وتضمن حق الدنيا والآخرة.
رسالتي إلى تلك القطعان البائسة، وتلك الأسماك التي تعول على طحالب وأدران ماء الحياة القادم من طهران: اصحوا واستعيدوا كرامتكم المسلوبة، فإنَّ قيصركم لم يعد يُخفي نواياه، بل بات يقولها علنًا (صنائعنا هم امتدادنا وأذرعنا وقد أنفقنا عليهم بما يكفي أن يفدونا بأنفسهم). إن لم تتقوا الله، فكونوا أحرارًا في دنياكم، فماء الحياة الذي تتلقونه هو مال مسلوب من قوت الفقراء والجياع، إن كان لكم دين. واعلموا أن مئات المليارات من الدولارات قد سُلِبت من أموال الإيرانيين والعراقيين لتغذية مخططات ومشاريع القيصر ورجاله، وأن ما أنفقه وينفقه قيصر طهران في سوريا هو ديون مُسجلة بمعنى أنها واجبة السداد. لا تستغربوا غدًا إن وجدتم سوريا ضيعة يمتلكها قيصر طهران والفيلة والنمور والأسود وكل وحوش هذه الغابة. أما في العراق، فبعض الأموال التي يدفعها العراق هي أتاوات للقيصر كجزية “وهم صاغرون”، والبعض الآخر من هذه الأموال لا يُدفع، وإنما يُسلب من خلال أبواب مختلفة كباب المال السائب وباب التمويل الرسمي للميليشيات والمرجعيات الدينية التي هي أشبه بالأفاعي الجياع التي تتستر على الفساد وتحميه. وكلمة “مار” باللغة الفارسية تعني “أفعى”، ويمكن درج ذلك كمصطلح يليق بهم.
وتتمةً لرسالتي: إن لم يكن لكم دين، فكونوا أحرارًا في دنياكم. الحر لا يقبل بالقبح والتردي والباطل. اقرؤوا عن أبي الأحرار من باب الثقافة والإباء، وليس من باب الدين والعقيدة. طريق الدين والعقيدة شاق وصعب بلا ملذات، ولذلك لا ينفع في هؤلاء عليًا ولا حسينًا. إنما هي مرحلة يرتدون فيها قميص عليٍ والحسين وآل البيت الأطهار. لن تنتهي هذه المرحلة إلا وقد أساؤوا لقداسة الدين ونكلوا براية الإسلام. لا ترجو منهم ولا من كبارهم في طهران خيرًا، ولا من جميع من استظل بعباءة الجاهلية هذه. هم ليسوا سوى أفاعي سوء لا نجاة من سمومها إلا بالضرب على رؤوسها بقباقيب النساء ورصاص ثوار الحق.
يقولون “القط يحب خانقه”، فهل هذا بالأمر اللائق بمن كرمه الله ونعمه؟ كفانا رهن تاريخنا ومصائرنا ومقدساتنا وأخلاقياتنا بيد هؤلاء المدعين ومشاريعهم التوسعية ودماهم الهزيلة. وليكن ما حدث في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغزة وعموم فلسطين عبرة لمن يعتبر ودافعًا لخطى سياسية منهجية حقيقية لصناعة الخلاص من البلاء الذي وقع علينا، وزمره التي باتت تخلل أوساطنا وتفتك بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
أما شعوب المنطقة، بعدما طفح الكيل بها من مشاريع الكذب والإدعاء والسلب والنهب والإفساد على يد أفاعي وعناكب وعقارب الخراب سواء في إيران أو العراق أو لبنان أو سوريا أو فلسطين، فستأتي اللحظة التي ترى فيها أن رؤوس تلك الأفاعي والعناكب والعقارب قد أينعت وحان قِطافها. لا بدَّ من الإسراع في قطافها. وكما يقول المثل الشعبي العراقي: “العقرب دواها: ال… ن… ع… ل”. لكي تنجوا، لا تبخلوا على أفاعيكم وعناكبكم وعقاربكم بالدواء.