المتأمل لآيات القرآن الكريم يلاحظ أن الوصية بالإحسان إلى الوالدين تأتي عقب الأمر بطاعة وتوحيد الله تعالى ومن ثم فالأمر مفروضا ولايجب أن نفرط فيه،ونقف عند الأم التي تعد الرجال للوطن ومهما بلغت المدارس والجامعات والأكاديميات من علم وتقدم لاتضارع ماتقدمه في مسيرة الأمة
وصدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها ..
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ.
أذكر لما أخذ عمر بن الخطاب رضى الله عنه ابنه عاصم من أمه المطلقة تخاصما إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه فقضى بالوليد إلى أمه فغضب عمر إلا أن أبا بكر قال لعمر:ريحها وشمها ولطفها خير له منك فامتثل عمر إلى كلام الصديق رضى الله عنه،وعبد الله بن الزبير بن العوام حين حاصره بنو أمية قال لأمه أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهما:
لم يبق معي إلا اليسير ومن لادفع عنده أكثر من صبر ساعة من النهار وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فمارأيك ياأمي؟فقالت:ياولدي إن كنت على حق تدعو إليه
فأمض عليه وإن قلت أني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار والله لضربة بالسيف في عز أحب إلىّ من ضربة بسوط في ذل وأعلم أنه لايضر الشاه سلخها بعد ذبحها.
كما قال مطران خليل مطران:( إن لم تكن الأم فلا أمة فإنا بالأمهات الأمم)،أيضا يحكي التاريخ أن أماً ذهبت مع أبنائها الثلاثة لتسجيل أسماءهم في سجل المتطوعين للدفاع عن الوطن فقيل لها: ألا تستبقين أحدهم ليرعاكِ؟فقالت:هل تكون حياتي سعيدة إذا هُزمَ وطني وأبني بجانبي؟!
وبعد أيام جاءها خبر استشهاد أحد أولادها فدمعت عيناها وقالت: لقد حُرمَ وطني من جهاد أبني الشهيد وأدعو الله أن يكون في جهاد أخويه مايرد العدوان عن الوطن،وبعد أيام جاءها نبأ استشهاد ولديها فأقبل الناس يعزونها قائلين:لاتحزني فقد نال أبناؤك شرف الشهادة والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون
فقالت الأم : أنا لاأبكي حزنا على استشهاد أبنائي بل لأنني لن أستطيع بعد اليوم أن أُقدم للوطن أولادا آخرين يدافعون عنه ويحمونه،والبطل الأسطورة والشهيد الحي عبد الجواد سويلم الذي شارك في 18 عملية عبور خلف
وداخل الخطوط الإسرائيلية أثناء معارك الاستنزاف ودمر 16 دبابة و11 مدرعة و2 عربة جيب و2 بلدوزر وأتوبيس بالإضافة إلى اشتراكه مع رفاقه الأبطال في تدمير 6 طائرات إسرائيلية بمطار المليز
وأصيب البطل عبد الجواد بصاروخ أطلقه عليه أحد الطيارين الإسرائيليين فبترت ساقه اليمنى وأيضا اليسرى وساعده الأيمن وفقد عينه اليمنى مع جرح كبير غائر بالظهر ورفض الرفت من الخدمة وعندما زارته والدته السيدة المصرية البسيطة في المستشفى زغردت لأنها قدمت للوطن أحد الأبطال وليس بلطجيا يدمر ويخرب.
أذكر أيضا أن توفيق الحكيم عندما أرسله والده مستشار محكمة الجنايات إلى فرنسا للدراسة والحصول على الدكتوراه في الحقوق أتجه توفيق إلى الأدب والمسرح فغضب والده ولكن أم توفيق الحكيم كانت فرحة بابنها وكانت تشعر منذ طفولته أنه سيكون شيئا مهماً وبالفعل أصبح توفيق الحكيم من أعظم كُتاب الشرق وعاش اسم الأسرة بفضل توفيق الحكيم ولم يعرف أحدا أن له أخ،
وقبل أن نفترق أهديكم كلماتي التي ضمها كتابي قيثارة النبض:
نورك يخلي الليل صباح
صباح الفل ياوردة
على جبينك يا ست الكل
صباح العطر يا أمي
يا فرح الفرح ونبضي
ياكل سنيني وحبي
يا صدق الصدق ونبع مودة
يا ست الكل .. يا أمي .