الأدب و الأدباءالثقافة

إلى أصحاب السعادة …

احجز مساحتك الاعلانية

كتبت – فايزة ربيع
عين و قلب …

قالوا : البعيد عن العين بعيد عن القلب … فلا أرى الحبيب إلا قريب وإن كان بعيداً و سيظل داخل العين و البال و القلب … فَمَن منا لم يسكن بداخله هذا القريب الذي له في القلب مكانتهٌ و من الروح نصفها …
أتكلم عمَن تعلمنا منهم و معهم معنى الحياة فكانوا نوراً يمتد أمامنا لينير لنا الطريق …
أتكلم عمَن شاركونا كل اللحظات بحلوها و مُرها ، بفرحها و حزنها …
هم من رأَوا فينا الضعف فكانت أيديهم هى التى نتكأ عليها , و هي ذات اليد التى كانت أول من تُصفق لنا فى لحظات القوة و النجاح لتدفعنا دائما للأمام ..
هُم من اختارهم القدر ليكون لكل منهم دَوراً و بصمةً فى رحلة الحياة التى سنمضى فيها , فكانوا هم رفقاء الدرب , و منهم من بدأ مشواره معنا منذ اللحظة الأولى فكانوا هُم أول من رأتهم أعيُننا و أُولى كلماتنا كانت هي أسمائهم …
تمر الأيام و تشتد الأعواد و لا يمكننا الإستغناء عن أصحاب تلك الأدوار ..
و هكذا هي حكمة الله سبحانة في خلقُه فهو يعلم بضعفنا و عدم قدرتنا على أن نحيا فُرادىَ فلا نَقوىَ إلا بوجودهم و لا نجتاز المحن إلا بمؤازرتهم …
فها هو الفارس الأول في حياة كل منا .. أبي .. و مَن كأبي ! فهو قدوتي و مُعلمي و حصني الذي أحتمي به و أحيا فيه مُطمئنة البال ،
و ها هي رحمة الدنيا و جنة الأرض .. أمي الحبيبة توأم الروح و أنيسة الفؤاد و مُلهمتي ، فليس هناك ما يٌشعرني بالحنان و الدلال كحضن أمى الذي يغمرنى و يحيط بي أينما ذهبت …
و ليس هناك أحن و أرفق بي من أختى ، فهي لي كالملاك الحارس و هي أمي من بعد أمي ،
و لا أجد آماناً و دفئاً كالذى استشعره فى أنفاس أخى حين يَضمُني ، و يأتي الزوج ليُكمل مسيرة كل هؤلاء , و أبناء يصبحون قرة العين و زينة الحياة و جسرها للجنة ،
و هناك الكثير من المميزون ممن تربطنا بهم الصلات و الأرحام ، و منهم من لا تربطنا بهم سوا المواقف التي كانوا فيها خير سند ، فمنهم من صار صديق العمر و شريك لأجمل الذكريات ، و منهم من إختار أن يكون من العابرين ! و لكن ما تركوه من جميل أثر جعل لهم في القلب مكانة خاصة لا يملؤها غيرهم ..
فكيف هم كذلك !! وإن غابو عن العين خرجوا من القلب !…
هم فى القلب ,, وإن ذهبوا ذهبت معهم الروح وإن بقي الجسد …
ولكن حتما سيأتى موعد للفراق ، و كذلك هي سنة الحياة ، فهناك فراق تفرضه الظروف و الأقدار فيسعى كل منا إلى حيث أحلامه و طموحه و حياته ، و هناك أيضاً فراق حتمي ! لا مفر منه و لا لقاء بعده !!
فإن كنا نحن أول المفارقين , فذلك أرحم و أهون من لحظة قد تكون أشد قسوة عندما يكونوا هُم فيها المفارقون , فتلك هي الآلام التي لا يمكن أن توصف فى كلمات …
ولكن السؤال هنا… هل نشعر بقيمة أصحاب تلك القلوب التى ملئت بأرق المشاعر وبكل معاني الحب
هم من إذا فقدناهم تبدلت الأرض والوجوه من حولنا … و يا له من إحساس بالوحدة و الغربة , و يا له من حزن على من إعتدنا مشاركتهم و مساندتهم لنا
ولكننا بكل أسف عادةً لا ننتبه إلا مؤخراً , فعند أول سقطةً لنا حين تمتد أيدينا باحثةً عن تلك اليد الحانية التي اعتادت أن تأخذ بها , فها هى اليد تسقط بلا سند و لا متكأ ,, فربما يكون قد فات الآوان ,, و يكونوا قد مضوا و رحلوا بعيداً بكل هدوء و بدون مقدمات ..
فى هذة اللحظة إستعد للمحاكمة…
نعــم إنها المحاكمة !!!!!!!
فيالك من مسكين إذا كنت من المقصرين فى حق هؤلاء أو لم تكن منتبهاً لهم كما يجب , أو كما كانوا منك ينتظرون… فعندئذاً لم ترحمك نفسك وستجعلك تعاني الكثير لما تجده من ندم كلما استشعرت بالفقد والحنين …
و لكن .. ليس جميعنا مقصرون ، فهناك سعداء الحظ فى الدنيا والآخرة الذين علموا كم أن هؤلاء المميزون من أجمل النعم الربانيه و حاولوا جاهدين أن يهنئوا معهم و هم يوفونهم حقوقهم ،، و هناك من لم تفوته الفرصة بعد ، ولكن قد يكون غافلاً عنها بقصد أو بدون قصد فلم يعيرهم الإهتمام اللائق بهم !!
عجباً !! هل هُم مُجبرون لأن يبتعدوا لدرجة الموت حتى نشعر بهم و بمكانتهم فى قلوبنا ؟!!
رجااااءاً .. إننبه !!
تلك الأفئدة خلقها الله لتنال بهم خير الدنيا و الآخرة فلا تحرم نفسك هذا الخير بالبعد و الجفاء و إنكار الجميل ,,
و تذكر أن هناك الكثير منا قد أذابه فراق هذا الحبيب ، قرة العين ، و نور القلب ، و كم نتمنى لو يعود يوماً ، يعود لحظة ، لنُقبل قدماً كانت تسعى جاهدة ًفى سبيل إسعادنا ، أو نَضم رأسا أُرهقت من كثرة إنشغالها بهمومنا …
فكم إشتاقت العيون لرؤياهم و هم يهمسون لنا بالدعاء متمنين لنا من الخير مالا نرجوه لأنفسنا …
و كثيراً ما يشتد الحنين لهم و لكلماتهم التي يطيب بها الخاطر و تسكن لها الروح ، و ما أثقل ما نحمله لهم من مشاعر و كلمات تقنت بداخلنا ، فلم يسعنا الوقت للبوح بها أو حتى لسماع كلمة وداع تشفي القلب من ألم الفراق…
و لكننا سنمضي في الحياة ,, فهي مستمرة إلى أن يجمعنا الله بكل حبيب غائب عن أعيُننا و ما غابت ذكراه عن البال و الخاطر يوماً ، فقد حفروا بعطائهم بصمة حُب كانت هى نبض القلب ليَحيوا بداخلنا ما دُمنا أحياءاً …
و لكن .. دعونا نبني جُسوراً للمحبة بيننا و بين أحبتنا الموجود منهم و المفقود أيضاً ، لعلها تكون لنا و لهم سبباً للفوز برحمات رب السماء و ذلك بالمودة و ، الرحمة ، و الدعاء لهؤلاء الأحبة ،
فسبحان من جعل لحبهم و وصالهم جزاء العبادة ,, فحقاً هُم في الدنيا و الآخره ( أصحاب السعادة ) ..
و لذلك .. فالبعيد منهم مهما غابَ عن العين ليس ببعِيدًا عن القلب !!
فهو حبيب العين و فقيد الروح ,, و سيظل داخل القلب ,, و إن ذهب لأبعد درب ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى