ناصر ميسر
تنهي الأسواق العالمية العام في حلة جديدة، ولكن النشوة قد تكون قصيرة الأجل، مع استهلال العام المقبل في أوروبا بشعور متزايد من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
حتى قبل تنصيبه الشهر المقبل رئيسا للولايات المتحدة، بدأ المستثمرون الاحتفال بخطط دونالد ترامب لخفض الضرائب، ورفع القيود والتحفيز الاقتصادي. وساهم في دعم هذا المزاج بشكل أكبر الخطوة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي بضخ المزيد من الأموال الرخيصة في اقتصاد منطقة اليورو.
لكن الأسواق العالمية قد تغرق في فترة من الاضطراب متأثرة بأي واحد من سلسلة من الأحداث الكبرى المنتظرة العام المقبل – بما في ذلك: سلسلة من الانتخابات الأوروبية لا يمكن التنبؤ بها. محادثات مشحونة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أزمة يورو محتملة جديدة مدفوعة من اليونان أو البنوك الايطالية. أو تحولات جذرية في واشنطن تحت قيادة ترامب.
وقال كبير الاقتصاديين في مجموعة هولندا الدولية المصرفية متعددة الجنسيات “آي إن جي”، كارستن برزيسكي “قد يستغرق الأمر عاما لإعادة تعريف أوروبا”.
والحقيقة أن الانتخابات في هولندا، فرنسا، ألمانيا، وربما حتى إيطاليا – إلى جانب التهديد الذي يشكله تصاعد الموجة الشعوبية التي سادت المنطقة في عام 2016 – يمكن أن تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الأوروبي.
في هذه الأثناء، يدخل اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 عضوا عام 2017 على أساس متين. وقال الاقتصادي في بنك كومرتس الألماني، كريستوف فايل إن ” اقتصاد منطقة اليورو مصاغ بشكل جيد”.
وانخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى في سبع سنين، ونما النشاط التجاري بأسرع وتيرة له هذا العام في الربع النهائي، وفقا لمؤشر مديري المشتريات لشهر ديسمبر.
ولكن يتوقع المحللون أن تواجه الأسواق ارتفاعا لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة العام المقبل، وسط محاولة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كبح جماح الضغوط التضخمية المتوقعة التي أطلقتها خطط ترامب بخفض 7ر5 تريليون دولار من الضرائب، وبرنامج للبنية التحتية بقيمة تريليون دولار.
ويقلق برزيسكي أيضا من أن عام 2017 قد ينتهي كـ”سنة أخرى من الانتظار والفرص الضائعة” لأوروبا، مع اضطرار الحكومات لوضع القضايا الرئيسية جانبا مثل تطوير البنية التحتية، والإصلاح المالي والتكامل الأوروبي في مواجهة التحديات الكبرى.
ويهدد الرئيس الأمريكي المنتخب أيضا بإحداث هزة عنيفة، بتشكيكه في دور الولايات المتحدة في حلف “الناتو” وفتح الطريق لمزيد من التعاون مع روسيا في سلسلة من التغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي /تويتر/ كانت في كثير من الأحيان عدوانية ومتناقضة.
كما أن اختبارا مبكرا للكيفية التي ستنتهي إليها علاقة أوروبا الجديدة مع واشنطن في العام المقبل، من المرجح أن يأتي عندما تبدأ ألمانيا المضي قدما في خططها كرئيس للمجموعة الـ20 الاقتصادية.
ووضعت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بالفعل جدولا لأعمال مجموعة الـ20 يركز على التجارة العالمية والمضي قدما مع أهداف تغير المناخ، في حين تأمل أيضا بدرء الخطر الذي يشكله ارتفاع الشعوبية والقومية.
وقد يكون مثيرا للاهتمام كيف من شأن هذا أن يختلط مع أولويات ترامب.
ويقول محللون إن ألمانيا وأوروبا قد لا تكونان سعيدتين جدا من هجمات ترامب على السياسة الاقتصادية الصينية، إذ هما، إلى حد ما، متشابهتان مع هواجسهما الخاصة عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لكن ترامب جعل التراجع عن اتفاقات التجارة العالمية موضوعا مركزيا في حملته الانتخابية الرئاسية، كما وصف الاتفاق العالمي بشأن تغير المناخ ذات مرة بأنه خدعة صينية مصممة لإسقاط الشركات الأمريكية.
وانضمت ميركل أيضا إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند هذا الشهر في قيادة تحرك الاتحاد الأوروبي لتمديد العقوبات ضد موسكو بسبب دور الكرملين في أزمة أوكرانيا، ما يمكن أن يمهد الطريق لمعركة عبر الأطلسي بشأن فرض عقوبات على روسيا.
وقال هيربرت ديتر، المحلل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين “العالم يتغير حول ميركل”.
وأضاف “إنها ستكون سنة صعبة للغاية، إنها تواجه مشاكل في كل جوانب الشؤون الدولية تقريبا – خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإيطاليا، والولايات المتحدة، وحتى اليونان يمكن أن تستعيد توازنها”.
وأيضا فإن فوز ترامب المربك للموازين في وفمبر الماضي، وتصويت بريطانيا الصادم في يونيو للخروج من الاتحاد الأوروبي، والتحول إلى الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا أطلق المخاوف من أن أية نتيجة مارقة أخرى في أي من الانتخابات الوطنية في العام المقبل يمكن أن تمثل تهديدا رئيسيا للاتحاد الأوروبي .
وسجل حزب البديل من أجل ألمانيا (ايه إف دي) المعادي للأجانب مؤخرا عدة انتصارات مذهلة في انتخابات الولايات على خلفية أزمة اللاجئين في ألمانيا.
ومع ذلك، يعتقد المحللون السياسيون أن ماضي ألمانيا النازية سيبعد حزب البديل عن لعب أي دور رئيسي في الحياة السياسية في البلاد للسنوات القادمة.
وقال حاجو فونكه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة “لن يكون هناك ترامب في ألمانيا”.
ويعتقد برزيسكي أيضا أن 2017 قد ينتهي على صعيد أكثر إيجابية.
تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح المحافظ فرانسوا فيون على مرشحة “الجبهة الوطنية” المعادية للأجانب، مارين لوبان، في الانتخابات لاختيار الرئيس الفرنسي العام المقبل، إلى جانب توقع أن تخرج ميركل منتصرة في انتخابات سبتمبر المقبل في ألمانيا.
ويقول برزيسكي إن فوز كل من فيون وميركل، يمكن أن يساعد على استعادة الشعور بالاستقرار في قلب أوروبا، في حين تفعيل الشراكة الفرنسية الألمانية باعتبارها القوة الدافعة وراء المشروع الأوروبي