اسليدرالأدب و الأدباء

رماد الحروب للكاتبة رجاء التميمي

احجز مساحتك الاعلانية

رجاء التميمي

ذهبت في يوم من الأيام لأحد أسواق بغداد الكبيره لأتبضع وكان السوق مؤمن بشكل جيد بحيث لا تتمكن العجلات من الدخول والتجول فيه،،وبعد أن أشتريت ما أحتاجه كان لابد لي من تأجير عربة نقل توصلني الى الشارع العام لأتمكن من تأجير سيارة أجره والذهاب لمنزلي

وأذا بشاب ينادي علي سيدتي هل تبحثي عن عربه لنقل بضاعتك،،فأجبته بلى فاخذ مني الاغراض ووضعها في العربه ونادى على رجل مسن كان بالقرب منه وقال له تفضل ياعم

شد انتباهي قدوم ذلك الرجل المسن نحو العربه وقد كان يبلغ من العمر ما يقارب الثمانين عاما،،فقلت له ماذا تفعل ياعم فقال أدفع العربه فعصر قلبي ألم شديد فقلت له أترك العربه انك لاتستطيع

فقال لا تقطعي رزقي يا أبنتي فهذا هو عملي ومنه أستحصل قوتي وديمومة حياتي فضحكت للمجامله وقلت ألله يعطيك الصحه ويرزقك العافيه

فبادرني بأبتسامة حزينه كأنه أستذكر شئ عزيز على نفسه وذلك عند رؤيتي وحديثي معه،،فطلبت منه أن نجلس على ألرصيف ونتحدث عن عمله

فقال يا أبنتي لا أريد أن تختفي هذه الابتسامة الجميلة من على ثغرك ومحياك،،لمجرد سماع ومعرفة قصتي فالحياة طويله وأنا رجل محمل بالهموم وألاحزان وقد أخذت مني ألحياة مأخذها وجعلتني أترنح من وطأة وهول ما لاقيت منها فما ذنبك أن تتطلعي على ذلك الجانب المظلم والحزين من حياة رجل عابر في حياتك لا تعرفيه ولا تربطك به اية صله فقلت له أنا لا أوافقك الرأي في ما ذهبت إليه

نعم قد لا تربطني بك صلة رحم لكنك نظير لي في الخلق واخ لي في الدين عندها سلم الرجل الطيب للحق والصواب وقلت له أعتبرني بمقام أبنتك فسره ذلك وبدا يقص علي حكايته قائلا لقد تزوجت من أبنة عم لي ورزقني ألله منها وأنجبت لي ولد واحد ولم يرزقني ألله بغيره وتلك حكمة ألله سبحانه وتعالى

كبر الولد وحينها كانت الخدمة العسكريه إلزاميه وكان البلد في حالة حرب فتجند وذهب لاداء الخدمة العسكريه بينما أنا كنت في ما يسمى بالجيش الشعبي وكانوا يأخذون الناس اليه عنوه ويزجونهم في الحرب الضروس ألتي لم تبقي ولم تذر وأخذت خيرة شباب الوطن وأثكلت الامهات وأدمت قلوب أبائهم وأبنائهم وذويهم وكانوا كأنه مقدر لهم أن يكونوا وقود لحرب لاناقة لهم فيها ولاجمل فقط أرضاء لعجرفة وغرور وأستبداد ألطغاة وتجبرهم

واردف قائلا لقد كان أبني في بداية وعز الشباب وكان يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وهو لم يكمل دراسته وشائت الاقدار ان يفقد في الحرب في منطقه تسمى هور الحويزه وكانت منطقة حرب ملتهبه

بينما أنا عدت سالما من الحرب وكانت أمه في حالة يرثى لها تئن وتبكي أبنها وعزيزها وحيدها ليلا ونهارا إلى أن وافتها المنيه وماتت بحسرة أبنها ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا وأنا أعمل ها هنا على هذه العربه أستحصل قوت يومي وما يسترني ويغنيني عن حاجة الناس ومنتهم وليس لي معيل غير الله الذي فوضت امري إليه عسى أن يثلج صدري بما يزيح همومي وأدرك ولدي قبل أن أفارق الحياة الدنيا ولا اطمع بأكثر من ذلك فأنا لم أقطع الامل في عودته ورؤيته مرة أخرى ومازلت أقلب الجرائد

أبحث عن أسمه لعلي اجده بين أسماء ألشهداء فأدفنه وأرتاح وتطمئن نفسي وبينما أستمع لحديثه الذي يعتصر القلوب ويدميها نزلت الدموع من عيني من دون أرادتي وشعرت كأن ذلك الرجل من بقية اهلي فحاولت أن أبتسم له أبتسامة كاذبه لأخفف من وطأة وموجة الحزن ألتي اعترت ذلك الرجل الطيب ولاني شعرت بالذنب فقد قلبت عليه المواجع وهيجت احزانه وجراحه التي لم ولن تندمل فقلت له

وهل ما زالت أسماء الشهداء تاتي لحد الان فأجأب نعم فاردت ان ألطف اجواء الحديث وأنقله لجو التفاؤل

فقلت له من يدري ربما يكون أبنك قد نجى من تلك الحرب ويكون قد تزوج وانجب لك احفادا من زوجته من يدري ربما ستجده عن قريب وتذهب لزيارته والعيش معه فنظر في عيني وأطال التأمل فيها كأنه يقول لي هيهات فأنا ذاهب إليه وسألقاه عند كريم مقتدر أو أنه كان حائرا بين امل كاذب وبين فرحته بتصديق كذبه

فأردف قائلا سيأتيني بأذن ألله وكان كلامه حمال أوجه ربما كان يقصد الحياة الأخره فقلت له أنا معك أعتبرني أبنتك وسأتابع معك أخبار أسماء المفقودين والشهداء وأتي لزيارتك في العيد لعلي أجلب لك خيرا

وعندما ذهبت لزيارته سألت عنه فاخبروني بأنه قد مات فصعقت من وقع وشدة الخبر عندها شعرت بأن الحياة قد صفعتني كفا جعلتني ألعنها ألف مره فما ذنب هذا الرجل وغيره الذين كانوا كل ذنبهم أنهم كانوا رعايا عند الطغاة الظالمين فهل مقدر لنا أن نكون وقود لحربهم فهل سيأتي يوم نتحرر من الطغاة لنحيا

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى