في صباح باكر خرجت مسرعة إلى دائرة الجوزات العامة كالعادة، الدائرة مكتظّة بالمراجعين، كان آخر يوم لي لاستلام جوازي بعد معاناة أسبوعين من المراجعات.
قال لي الموظف: انتظري حتى ينادَى باسمك! جلست بقاعة الانتظار وأنا بقمة الفرح، سوف أستلم جواز سفري، أقبلتْ عليّ فتاة تحمل سحرًا من جمال؛ وجهها كالقمر بتمامه أبيض منير، شعرها أسود طويل متموج تداعبه نسائم الهواء، ترتدي سروال (جينز)، وفي قدمها خلخال من ذهب.
قلت في نفسي: تبارك الرحمن! إن الله جميل، ويحب الجمال! جَلستْ بقربي، لها روح وابتسامة جميلة جدًّّا، مجامِلة إلى أبعد الحدود، سَلِسلة بالكلام، لا تجعل بينها وبينك قيودًا، أخذت تتكلم حول الروتين المزعج بالدائرة،
وهي تسرد: كيف بدأت المعاملة؟! وأنا أجاملها بكلمات قليلة، لكن أخذتني التساؤلات والدهشة: كيف بفتاة في عمر الورود تحمل كل هذه الجرأة وتنتقل بمفردها دون خوف؟!
راودتني عدة أسئلة وأنا أصغي إليها، حاولت استدراجها بقولي: هل أنت وحدك؟ قالت: نعم، ولماذا؟!
جاوبتها بابتسامة جميلة -لا أقصد شيئًا-: لكن أنت جميلة وصغيرة العمر.
نظرت لي نظرةً لا أعرف تفسيرها، نظرة جعلت نقطة خوف بداخلي، قالت: الحمد لله جمالي رأسمالي.
أخذني الذهول للرد، قلت: ماذا تقصدين؟! ضحكت، وقالت: نعم، هذا هو عملي، قلت: أنت جميلة وصغيرة العمر.
قالت هذه نعمة من الله كي أعيش! لا أعرف: ماذا أصاب عيناي؟! اتسعتا، وأصبحتا كرقّاص الساعة من اليمين إلى شمال.
قلت: هل لك أهل؟
قالت: نعم لي أب وأم، لكن الله أعلم: هل هما حقًّا أبواي؟! أم أنا لقيطة؟! فبعالمنا كل شيء مباح!
أخذت دقات قلبي تتسارع، قلت: أنت فتاة، ألا تحلمين بالزواج؟!
قالت: ومن يتزوج بواحدة مثلي نامت بأحضان عشرات من الرجال ولا تعلم: متى فقدت بكارتها؟!
قلت: لماذا تعملين بهذا العمل؟!
قالت: هذا كارنا كي نعيش إلى أن يذهب جمالي.
قلت: وإذا ذهب جمالك ماذا تعلمين؟!
قالت: كما تعمل أمي (قواده)!
اشمأزت نفسي من حوارها!
قلت في نفسي: هذه النبتة التي نبتت بمستنقع قذر ماذا ستزهر؟!
ولو أخذت هذه النبتة وزرعت على ضفاف نهر جارٍ هل ستتنظف من هذه القاذورات؟!
أخذني الصمت بهذه الأثناء وأنا أحدق بوجهها الجميل، راودني قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
“إياكم وخضراء الدمن: قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟! قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء.”.
وفي هذه الأثناء نادى موظف الجوازات باسمي؛ هرولت إليه مسرعة، استلمت جوازي، وهرعت إلى داري، وأخذت ابنتي بأحضاني، وشكرت ربي على نِعم لا ندركها.