يعتبر النقد الأدبي من أهمَّ الوسائل التي من شأنها النهوض بالأدب والشعر . وللنقد التطبيقي الأثر الفاعل في ازدهار الشعر وانتشاره في مختلف العصور . لكن ومن المؤسف بل المميت نجد أن النقد الأدبي في السودان يكاد يكون معدوماً ، والناقد الأدبي السوداني – إن وُجد – منعزل تماماً عن الساحة الأدبية السودانية .
هذا وقد حاولنا معرفة واكتشاف أسباب هذا الإنحسار النقدي ، وعلى من تقع المسؤولية ؟ هل على عاتق النقاد ؟ أم على عاتق الشعراء ؟ أم على كليهما معاً ؟
ونقول : إن النقد الأدبي السوداني كان في بداياته بدائيا غلبت عليه الذاتية ، وهذا يتنافى مع ماينبغي توفره في الناقد الأدبي المثالي ، إذ عليه أن يتجرد من الذاتية الضارة والأحكام المتسرعة غير الخاضعة للقواعد النقدية العلمية ، حتى يتسنى له تأدية وآجبه تجاه الأدب والشعر والإرتقاء به وبالمتلقي . ولقد بدأ النقد السوداني يتلمس خطاه نحو العلمية والمؤسسية في الفترة مابعد ( الثورة المهدية ) وكان السودان وقتها يشهد زخماً سياسياً عنيفاً ، حمل الشعراء على التعبير عنه ، نتج عن ذلك شعراً عزيراً ، ظهرت فيه أشكالاً لم تكن معرفة قبلاً ، لأن الشعراء في تلك الفترة انفتحو على العالم الخارجي وتأثروا بحركات التجديد التي اندلعت في الوطن العربي – خاصة مصر ، سوريا ، لبنان – فتعلموا منهم كيف يناضلون بالشعر من أجل شعوبهم ، وكيف يثورون في وجه القيود السياسية والأوضاع الاقتصادية وغيرها . هذا ولقد تنبه الناقد السوداني إلى هذا النتاج الشعري ، وطبق عليه النظريات النقدية : شارحاً محللاً ، مادحاً وذاماً ، فنتج عن هذا الحراك النقدي مؤلفات قيمة أفادت الأدب والشعر والمتلقي السوداني الذي اتجه – في ظل الاحجام النقدي – إلى أسطر ودواوين الشعراء العرب مغذياً عاطفته ووجدانه .
لكن سرعان ما انقضت هذه الفترة الخصبة ، وانكشفت الساحة الأدبية السودانية وصار الناقد الأدبي في بيات شتوي وسبات عميق إلي يومنا هذا .
من أهمَّ أسباب هذه الأزمة : ارتفاع تكاليف طباعة الديوان الشعري ، فجنح بعض من النقاد السودانين الى نقد شعراء غير سودانيين .
ضعف اهتمام أجهزة الإعلام بالأدب والشعر .
في ظل هذا الوضع المزري نجمت آثار خطيرة زادت من سوء الأزمة . أهمها : ذيوع الشعر العامي وبكثافة ، وهو لايرقى إلى مكانة الشعر الفصيح ولايمكنه الظهور خارجياً والانتشار .
أرى لابد من تقف وتتحد كل الأيدي السودانية لحل هذه الأزمة النقدية القاتلة ، حتى نرتقي بالشعر السوداني إلى المرتبة التي تليق به بين أقرانه. وتبسيط تكاليف طباعة الديوان الشعري ، التركيز على تفعيل المنتديات الأدبية لإظهار المواهب الناشئة ، مع التركيز على الناحية التعليمية والتثقيفية ، تدعيم المكتبة السودانية – الخاصة والعامة – بل إنشاء مكتبة نقدية متخصصة لأن كل المكتبات السودانية فقيرة في الناحية النقدية ( هذه حقيقة وليست مبالغة ) أخيراً : توجيه طلاب الدراسات العليا لتوسيع دائرة البحث حول نشأة وتطور الأدب والنقد السوداني ، لنرتقي من ناحية التنظير والتطبيق ، ولنلحق بركب الجهود العربية والعالمية في هذا المضمار ، ولنثري ساحتنا الأدبية والنقدية . ذلك بجانب الدور الذي يجب أن تقوم به الندوات والمؤتمرات الأدبية النقدية ، الرسمية وغير الرسمية .