بقلم – المهندس / أشرف الحواط
إنها أم الدنيا بلد السحر والجمال والهيبة والجلال بلد العزة والحضارات وموطن النيل والأهرامات بلد الأنبياء ومنبر الأزهر والعلماء أرض الطبين ومرقد الأولياء والصالحين إنها مصر فمن عِظَم مكانة مصر وفضلها الذي لا يضاهى ولا يوجد له في الدنيا مثيل ذُكرت في كل الكتب السماوية وذكرها الله في القرآن الكريم الكتاب الجامع الخاتم والمتتم لكل الكتب السماوية بصفات جامعة بليغة بالغة .
ذكر الله مصر في القرآن الكريم تلميحاً في مواضع كثيرة وتصريحاً ذكرها باسمها خمس مرات ولم يكن ذلك لبلد من البلدان حتى مكة المكرمة مولد الهادي نبينا (ص) وفي كل مرة يشير الله تعالى إلي خصائص وميزات من مكانتها وفضلها ولكن ما يكون لمثلي أن يتحدث عن مثلها ولكنني الآن أتحدث عن أهل مصر .
إذا أردت أن تتحدث عن الشهامة فاعلم أنها في أهل مصر فموسي عليه السلام المصري لما خرج من مصر خائفاً يترقب بعدما ارتكب جريمة القتل الخطأ توجه إلى مدين في جنوب فلسطين ، وبعد عناء شديد وصل إلى هناك وجلس تحت شجرة يلتمس ظلها ويلتقط أنفاسه وفي حالة التعب الشديد الذي تملّك موسى إذ به يرى مجموعة من الناس يسقون أغنامهم ودوابهم لكن الذي لفت نظر موسى وسط هؤلاء الناس فتاتين تمنعان أغنامهم عن الماء فعلم موسى أن وراء هذا الفعل شئ فقام إليهما ، وسألهما في أدب فلما علم السبب تعامل معهما بشاهمة رغم ما يعانيه من تعب وإرهاق وزاحم على البئر وسقي لهما ثم تولى إلى الظل .
والذي نصح موسى أن يخرج من مصر بعد قتله الخطأ للقبطي وأخبره بأن الملأ من قوم فرعون يأتمرون به ليقتلوه عرّض نفسه للقتل وبطش فرعون حتى ينصح موسى ، والذي كان من آل فرعون مؤمناً بالله ولكنه كان يكتم إيمانه عن كل الناس لما علم أن بريئاً سيقتل وهو موسى عليه السلام خرج عن صمته وعرّض نفسه للخطر ونطق قولته الشهيرة لفرعون وقومه ” أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم” .
وفي زمن يوسف عليه السلام إذا بأهل مصر يمدون أيديهم لكل الناس في سنوات الجوع والقحط واستمر عطاء مصر وأهلها عبر الزمان حتى على بلد رسول الله (ص)في عهد عمر رضي الله عنه لما أصاب الناس قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) في أواخرسنة 17هـ، وبداية عام 18هـوقال عمر :- ” والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهاراً، ونزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يموتون جوعاً أمامه، وودّ أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال ، وأخذ يقول:- “يا ليت أم عمر لم تلد عمر “.. آآآآه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة، ووسط هذه الأحداث تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية، وكان والي مصر عمرو بن العاص الداهية العملاق كتب له عمر رسالة، وهذا نصها: –
” بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْـد:- فوا غوثاه وا غوثاه والسلام ” .
وأخذها عمرو بن العاص وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم؛ ولما قرأها عمرو أجاب عمرو على الهواء مباشرة، وقال:- ” لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الأرزاق أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر “. وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل، تحمل النماء والحياة والخير والرزق والعطاء لعاصمة الإسلام ودعا لهم عمر وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر، ولذلك لما رأى عمرو بن العاص والي مصر صنيع أهل مصر قال قولته الخالدة ” ولاية مصر جامعة تعدل خلافة ” . إنها شهامة المصريين .
وأم موسى التي صدّقت إلهام ربها مصرية ، وامرأة فرعون التي ربّت موسى صغيراً وصدّقته كبيراً وآمنت بربها وطلبت منه بيتاً في الجنة إنها مصرية ،والذي اشترى يوسف أحسن الظن به لما رآه وقال لامرأته أكرمي مثواه كان مصري ، وفي أعظم ركن من أركان الإسلام وهو الحج خلّد الله ذكر امرأة من أهل مصر إنها السيدة هاجر في سعيها بين الصفا والمروة فجعل كل المسلمين يقتدون بها.
وإذا أردت أن تتحدث عن العلم فاعلم أن موطنه أهل مصر وذلك يتمثل في أزهرها الشريف جامعاً وجامعة فبمصر العلماء والأدباء والمثقفين في شتى المجالات الذين علموا العالم كله علوم الدنيا وفنون الحياة .
بل وإذا أردت أن تتحدث عن الحب فاعلم أنه يسكن في قلوب أهل مصر فأهل مصر هم أشد الناس حباً للحبيب النبي (ص) وآل بيته الكرام وهاهي حفيدة النبي الكريم (ص)السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبنت السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت النبي (ص) لما تعرضت هي ومن معها من آل بيت النبي (ص) للإضطهاد والعداء بعد موقعة كربلاء لم يطب لها العيش في أي بلد من البلاد إلا بمصر فاختارت مصر لأنها تعلم أن أهل مصر هم أشد الناس حبأً للنبي العظيم (ص) وآل بيته الكرام فلما علم أهل مصر بقدوم السيدة زينب ومن معها من آل بيت النبي (ص) خرجوا جميعاً لاستقبالها وقلوبهم متشوقة للقاء وعلى رأسهممسلمة بن مخلد الأنصارىوالى مصر الأموى فى شعبان عام 61 هـ .
وأقامت السيدة زينب فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى يوم 14 رجب من عام 62هـ بعد عام واحد من قدومها إلى مصر، ودفنت فى بيت الوالى الذى أصبح ضريحا لها حيث يوجد مسجد السيدة زينب الآن فى الحى الذى سمى أيضاً باسمها ..
لذلك وغيره كان ي النبي يوصي أصحابه بأهل مصر ولا أعلم بلداً وصّى النبي (ص) بأهلها غير مصر فعن أبي ذر رضي الله عنه قال:- قال رسول الله(ص):- ” إنَّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإنَّ لها ذمَّة ورحماً، أو قال:- ذمَّة وصهراً، فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها “. قال:- فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها. (رواه مسلم) .
فأمَّا الرَّحم، فإنَّ هاجر أمَّ إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السَّلام من القبط، يقال لها:- أمُّ العرب، وأمَّا الذِّمَّة:- فإنَّ النَّبيَّ (ص) تسرَّى من القبط مارية أمَّ إبراهيم بن رسول الله(ص) فالعرب والمسلمون كافَّة لهم نسب بمصر من جهة أمِّهم مارية أمِّ إبراهيم بن رسول الله (ص)؛ لأنَّ أزواج النَّبيِّ (ص)أمَّهات المؤمنين، والقبط أخوالهم. وصارت العرب كافَّة من مصر بأمِّهم هاجر؛ لأنَّها أمَّ إسماعيل عليه السَّلام وهو أبو العرب.
لذالك فإني أقول بغير ادعاء “إنَّ كل بلدٍ لها في التاريخ مكان أما مصر فللتاريخ فيها مكان ” .
هذه بعض مقتطفات عن تاريخ أهل مصر الذي نحن بحاجة أن ننظر فيه بعد تغير كبير حدث في أخلاقنا وطباع ليست بطباعنا والتي لا تصح ولا تليق بنا فصرنا نقلِد بعد أن كنا نقلَد هكذا كنا فمتي نعود .