أخبار مصرالأدب و الأدباءالثقافةقرأت لك

أحمد فتحي رزق يكتب (وانتصف ليل القاهرة) قصة قصيرة

احجز مساحتك الاعلانية

وانتصف لیل القاھرة

أمام عشرات من أقماع الذره جلست متخفیة وراء النقاب،

وماجدة الصغیرة تداعب وحید الرضیع، وعلى مقربة منھا نام

الشیخ المجذوب على حافة محطة الباص جوار مؤسسة الرعایة

الاجتماعیة التي تخرجوا منھا.

لاحظ القاضِ الكبیر تلك المشاھد بعد أن خرج من قاعة الأفراح

الشھیرة بشارع الأھرامات بالجیزة، تأثر كثیرًا لدرجة البكاء

دون أن یشعر بھ أحد على الرغم من الفرحة التي كانت تغمرھم

بزفاف ابن أخیھ الصحفي والإعلامي المحبوب.

فتح السیارة لمُرافقیھ؛ ثمَّ سار مترجلًا یعاین الشیخ المجذوب

محاولًا الاستفسار عن ھیئتھ وحالتھ وسبب وجوده والجریمة

التي ارتكبھا في حق المجتمع لكي یھملھ بھذا الشكل المُشین.

اقترب أكثر وأكثر، سمع الرجل یقول ھذا ما جنتھ علي أمي

سامحھا الله وطیب ثراھا، ثمَّ ذھب في غیبوبتھ وارتجالیتھ

المعتادة؛ فلم یستطع القاضي أن یستجوبھ لمعرفة الحقیقة.

تركھ واتجھ نحو سیدة الذرة وأقماعھا وطفلیھا وجلس

القرفصاء بجوارھا إذ تحنن قلب الرجل، وبعد السلام المُختبئ

خلف الخجل من مشھد المرأة وأحوال الفقراء بمصر، أخرج

ورقة بعشرة جنیھات من جیبھ القریب منھا؛ وقال : ھل تكفى

لخمسة أقماع، ردت بفرح وطواعیة : نعم یا باشا، تحت أمرك

ھذا كثیر الحمد لله.

وجدھا قانعة راضیة، عندئذ واتتھ الشجاعة لیسألھا مره أخرى:

ھل لى أن أعرف حكایتك ؟ طبعا یا بیة. لقد أصبحنا فى مھب

الریح، ھناك الكثیر قبلك وجلسوا مكانك ولم یتغیر الحال،

صحفیین ومذیعیین وغیرھم.

عمومًا، إن كان لدیك الوقت سأحكي لكِ، ھنا سمع بوق

سیارتھ، استعجالًا لھ فأومأ براسھ؛ صبرًا صبرًا.

وجدونى أمام تلك المؤسسة التي ورائك ملفوفة بقطعة من

القماش منذ ما یقرب من ثلاثة وعشرین عامًا بالتمام والكمال،

فیھم الخیر، ربوني وحاولوا یعلموني؛ لكن كان ھناك زمیل

بالدار یقول أنھ یحبني وتزوجني، ووافقت الدار لابد من أن

أخرج من ھناك، یوجد المئات غیري یستحقون المساعدة،

عجب القاضي من منطقھا السلیم.

أكملي من فضلك؛ فالوقت داھمنا ویستعجلونني، إنھم بالانتظار

في السیارة، لابد أن نسیر خلف موكب العروس عقبال أولادك.

الله یسعدك معالي الباشا، تزوجني ھاني الجمَّال، وبعد أن

أنجبت طفلى الصغیر والأخیر ضاق الحال بالجمیع؛ فلم یجد بُدًا

إلا السفر، سمعت مرة أنھ في لیبیا ومرة أخرى في العراق،

وأخیرًا في سوریا، وحمدت الله أنھ لم یذھب للیمن بابتسامة

رقیقة.

جیران لنا سابقون، دائمًا یعایروننى بأن زوجى انضم لداعش

الذین یقتلون الأبریاء، حتى ھنا في الدار، ألیس الأولى بمصر

أن ترعى أبنائھا أیھا القاضي! لماذا یتركوھم لرحلة الإرھاب

والموت ؟

لكن؛ كیف عرفتي أني قاضي؟ ملابسك الغإلیھ وسیارتك

الفارھة وعرسكم بالفندق المجاور، وعلامھ المیزان التي تعلو

جبھة ملابسك.

أین العدل الآن أیھا القاضي ؟

أخذ أقماعھ دون أن یتفوه بكلمة واحدة مُسرعًا إلى سیارتھ مع

ضیق یملأ صدره، حینھا، انتصف لیل القاھرة.

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى