كانت نبيلة تشاهد إحدى حلقات المسلسلات التلفزيونية بعد خلود أطفالها إلى النوم. أحداث المسلسل تدور في حارة شعبية وجميع أبطال المسلسل من سكان تلك الحارة وينتمون إلى الطبقة الكادحة. كانت بطلة العمل فتاة شعبية عاملة في أحد المصانع تكاد لا تملك قوت يومها وتعول إخوتها الصغار. إلا أن ما أجرته تلك البطلة من عمليات تجميل تظهر على ملامح وجهها بشكل واضح يبعد عقل المشاهد وخياله عن بساطة وضعها كعاملة فقيرة ويجعل كل من يشاهد المسلسل يعجز عن الاندماج في الأحداث حيث يقف تباين ما يراه المشاهد مع الواقع بينه وبين الاندماج. في واقع الحياة مثيلة تلك العاملة في المستوى المعيشي والدخل الاقتصادي والظروف الاجتماعية لا تملك ما يمكنها من إجراء هذا النوع من العمليات ، مما يخلق حاجزا بين المشاهد والاندماج في أحداث المسلسل أثناء المشاهدة. لم يختلف حال باقي أبطال العمل عن حال البطلة كثيرا فجميعهم سكان الحارة الشعبية ذاتها ونجد أنه قد نال وجه كل منهم نصيبا لا يخفى على كل ذي عين من عمليات التجميل. دارت مقارنة لا شعورية داخل عقل نبيلة أثناء مشاهدة المسلسل التلفزيوني بين ما كانت تشاهده في طفولتها وبين ما قد يشاهده أطفالها الآن. قضت نبيلة فترة طفولتها بين وجوه ألفتها واعتادت على مشاهدتها في التلفاز بينما كانت تمرح إلى جوار والدتها في الأوقات التي تقوم فيها والدتها بتنظيف المنزل ، أو أثناء احتساء والدتها كوبا من الشاي بصحبة والدها أمام التلفاز. كانت جميع الوجوه التي تشاهدها نبيلة في التلفاز وقتها – على اختلاف ملامحها وما يمر به أصحابها من مراحل عمرية – تحمل سمة مشتركة. كانت تلك السمة تتلخص في أن لكل وجه منهم طابعا مميزا يميزه عن غيره. كانت وجوه مريحة. حتى ما تظهر عليه علامات الكبر من تلك الوجوه كانت ترتاح عين الناظر إليه حيث ينتقل إلى كل من يشاهد أحد تلك الوجوه ما يحمله صاحب الوجه من سلام داخلي وتصالح مع النفس. حمل كل وجه منهم إلى جانب علامات الكبر ، تعايش صاحبه مع المرحلة العمرية التي يمر بها ومتطلباتها وأثرها في حياته. انتهت نبيلة من مشاهدة الحلقة وكان آخر ما خطر ببالها : هل اختلفت طبيعة العصر بحيث أصبحت الملامح والشخوص اصطناعية إلى هذا الحد؟. ماذا لو استيقظ الأطفال وشاهدوا معها المسلسل؟ هل سوف يقنعهم ما تحمله وجوه أبطال المسلسل من آثار عمليا