آلام خفية والرق الحديث: تقرير خاص من لجنة شؤون المرأة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بمناسبة اليوم العالمي للعمال

نظرة على أوضاع العاملات في إيران بمناسبة اليوم العالمي للعمال
في عمق المجتمع الإيراني، خلف ضجيج المصانع وجدران الورش البالية، تعيش ملايين النساء العاملات صمتًا ثقيلًا ومأساة يومية لا تظهر في العناوين الرسمية.
إنهن يتحمّلن عبء العمل المضني، والتمييز الاجتماعي، والاستغلال الاقتصادي، دون أدنى حماية قانونية أو دعم نقابي.
يعملن في بيئات خطرة، بعقود بيضاء، وأجور مجحفة، بينما تُحرم الكثيرات منهن من الحد الأدنى من حقوقهن الأساسية كالضمان الاجتماعي، وإجازات الأمومة، وساعات العمل المنصفة.
ومع تصاعد الغلاء وانهيار الرعاية الصحية والتعليم، تتحوّل كل يوم من حياتهن إلى معركة من أجل البقاء.
وفي ظل حكم دكتاتوري قائم على التمييز الأيديولوجي والذكوري، يصبح القمع مضاعفًا على النساء العاملات، حيث يتداخل القهر الاقتصادي مع التهميش القانوني والصمت القسري إزاء الانتهاكات الأخلاقية والضغوط الثقافية.
وبمناسبة اليوم العالمي للعمال 2025، أعدّت لجنة شؤون المرأة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هذا التقرير المفصل تحت عنوان: «آلام خفية والرق الحديث: نظرة إلى أوضاع العاملات في إيران»
وذلك لرصد واقع العاملات في ظل هذا النظام القمعي، وكشف الأبعاد المسكوت عنها من معاناتهن اليومية، والدعوة إلى الاعتراف بمقاومتهن، ودعم نضالهن من أجل التحرر والكرامة.
إنكار قانوني واستغلال يومي
في النظام القانوني الإيراني، لا تُعترف النساء بوصفهن معيلات للأسر، ورغم ذلك تضطر الملايين منهن للعمل ساعات طويلة في الورش والمصانع، ثم يَعُدن مساءً للقيام بأعمال المنزل ورعاية الأطفال والمرضى. هذا العبء المضاعف، في ظل غياب أي حماية قانونية، يكشف التناقض الصارخ بين ما تفرضه الدولة وما تعيشه النساء.
ورغم أن الحد الأدنى للأجور لعام 2025 حُدد بنحو 111 دولارًا شهريًا، إلا أن كثيرات يتقاضين أقل من ذلك بكثير، وغالبًا ما يُجبرن على توقيع عقود “بيضاء” تسمح لأرباب العمل بتحديد الشروط لاحقًا دون رقابة أو حماية.
العقود البيضاء أو “قرارداد سفید” هي شكل من أشكال الاستعباد القانوني في إيران، حيث يُجبر العامل – وغالبًا ما تكون امرأة محتاجة – على توقيع عقد فارغ يُمنح فيه صاحب العمل صلاحية مطلقة لملء بنود العقد لاحقًا حسب رغبته. هذا الأسلوب غير القانوني منتشر على نطاق واسع، وخصوصًا في الورش والمعامل الصغيرة، ويحوّل العلاقة التعاقدية إلى أداة قهر لا حماية.
وفي ظل الغياب الكامل للنقابات المستقلة والرقابة الفعالة، تُملى الشروط من طرف واحد: أصحاب العمل. النساء العاملات هن الضحية الأضعف في هذه المعادلة، إذ تُحرمن من التفاوض، وتُفصلن تعسفيًا، ويُهددن يوميًا بفقدان لقمة عيشهن إن تجرأن على الاعتراض. هذا النموذج يُجسّد عبودية حديثة مغلّفة بقشرة قانونية واهية، تُعيد إنتاج الفقر والتبعية وتمنع العاملات من أي فرصة للنهوض أو المطالبة بحقوقهن.
الفقر والتضخم وارتفاع تكاليف الحياة
تشير التقديرات إلى أن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة في إيران يتجاوز 530 دولارًا شهريًا، في حين لا تصل أجور غالبية النساء العاملات إلى نصف هذا المبلغ. ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية، فقد ارتفعت أسعار سلة الغذاء الأساسية بنسبة تفوق 340٪ خلال السنوات الأربع الماضية، بينما تجاوزت زيادة أسعار اللحوم 800٪. كما شهدت أسعار الدواء والخدمات الطبية ارتفاعًا تجاوز 400٪، ما أجبر كثيرًا من المواطنين على الامتناع عن شراء الأدوية.
بيئة عمل قاتلة بلا تأمين
أشارت تقارير رسمية في مارس 2025 إلى وفاة أكثر من 1,000 عامل خلال الأشهر الستة الأولى من السنة نتيجة حوادث في بيئة العمل. النساء العاملات يشكّلن نسبة عالية من هذه الحوادث، إذ يعملن غالبًا في ظروف خطرة بلا تجهيزات أمان، ولا تأمين ضد المخاطر، ولا وسائل نقل مناسبة. بعض العاملات لقين حتفهن حرقًا داخل سيارات النقل، وأخريات سُحقن داخل آلات المصانع بسبب غياب معايير الحماية.
شهادات حية على القهر
زهرة (43 عامًا)، تعمل من الفجر حتى المساء، ولا تحصل على إجازة أمومة، وتقول: “نعمل كالرّجال لكن لا نحصل على أجور متساوية، وإذا اعترضنا يُطردوننا”. سودابه، أم لطفلين، تقول إن راتبها لا يكفي حتى لتسجيل أحد أطفالها في الحضانة. سيمين، بدأت العمل في سن 18، واليوم تبلغ 48 عامًا، وما زالت عالقة في دورة الاستغلال دون أمل في التقدّم. وحيدة، تعمل في مجمع صناعي وتقول: “أن تطالب بالمساواة وأنتِ وسط 17 رجلًا في وردية واحدة، أمر شاقّ ومؤلم”.
وفي خلفية هذه الشهادات، تبقى حقيقة أكثر مرارة لا يُفصح عنها علنًا بسبب القيود الثقافية والاجتماعية: كثير من النساء العاملات يتعرضن لصنوف من المضايقات وسوء المعاملة من قبل أرباب العمل أو المشرفين، لكنهن لا يستطعن البوح بها، خوفًا من الطرد أو الوصمة المجتمعية. في ظل غياب آليات الشكوى المستقلة، ونظرًا لحساسية هذه القضايا في الثقافة الإيرانية، تحتفظ النساء بآلامهن داخلهن، ويمضين في العمل صامتات، حاملات عبء الصمت إلى جانب عبء العمل والتهميش.
في ظل دكتاتورية خامنئي، القمع مضاعف للنساء العاملات
لا يمكن الحديث عن إنصاف العاملات في ظل نظام لا يعترف بحقوق المرأة ولا يملك إرادة سياسية للإصلاح. إن استمرار استغلال النساء هو جزء من بنية دكتاتورية قائمة على التمييز والإقصاء.
الحل لا يكمن في تحسين طفيف هنا أو وعد قانوني هناك، بل في دعم المقاومة النسائية المنظمة، والانخراط في مشروع تغيير ديمقراطي شامل يحرر النساء من عبودية العمل والاستغلال، ويمنحهن مكانتهن اللائقة في وطن حر وعادل.